بالموصول ، ومن تبعيضية ، وقيل : الشاهد صورته عليه الصلاة والسلام ومخائله لأن كل عاقل يراه يعلم أنه عليه الصلاة والسلام رسول الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : «ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن ، فقال له رجل : ما نزل فيك؟ قال : أما تقرأ سورة هود (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) الآية من كان على بينة من ربه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا شاهد منه» ، وأخرج المنهال عن عبادة بن عبد الله مثله ، وأخرج ابن مردويه بوجه آخر عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) أنا (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ) علي.
وأخرج الطبرسي نحو ذلك عن بعض أهل البيت رضي الله تعالى عنهم وتعلق به بعض الشيعة في أن عليا كرم الله تعالى وجهه هو خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأن الله تعالى سماه شاهدا كما سمى نبيه عليه الصلاة والسلام كذلك في قوله سبحانه : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الفتح : ٨] والمراد (شاهِداً) على الأمة كما يشهد له عطف (مُبَشِّراً وَنَذِيراً) عليه فينبغي أن يكون مقامه كرم الله تعالى وجهه بين الأمة كمقامه عليه الصلاة والسلام بينهم. وحيث أخبر سبحانه أنه يتلوه أي يعقبه ويكون بعده دل على أنه خليفته ، وأنت تعلم أن الخبر مما لا يكاد يصح ، وفيما سيأتي في الآية إن شاء الله تعالى إباء عنه ، ويكذبه ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني في الأوسط عن محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه قال : قلت لأبي كرم الله تعالى وجهه : إن الناس يزعمون في قول الله تعالى : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أنك أنت التالي؟ قال : وددت أني هو ولكنه لسان محمد صلىاللهعليهوسلم ، على أن في تقرير الاستدلال ضعفا وركاكة بلغت الغاية القصوى كما لا يخفى على من له أدنى فطنة.
ونقل أبو حيان أن هذا الشاهد هو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفيه ما فيه ، وفي عطف ـ يتلوه ـ احتمالان : الأول أن يكون على ما وقع صفة لبينة ، والثاني أن يكون على جملة «كان» ومرفوعها ، وقوله سبحانه : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) عطف على (شاهِدٌ) والضمير المجرور له ، وقد توسط الجار والمجرور بينهما ، والظاهر أنه متعلق بمحذوف وقع حالا من الكتاب أي (وَيَتْلُوهُ) في التصديق (كِتابُ مُوسى) منزلا من قبله ، وحاصله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) ويشهد لصدقه شاهد منه وشاهد آخر من قبله وهو كتاب موسى ، قيل : وإنما قدم في الذكر المؤخر في النزول لكونه وصفا لازما له غير مفارق عنه ولعراقته في وصف التلو ، وهذا على تقدير أن يكون المراد بالشاهد الإعجاز ـ كما اختاره بعض المحققين ـ وقد يقال : إن تأخير بيان شهادة هذا الشاهد عن بيان شهادة الشاهد الأول لأنها ليست في الظهور عند الأمة كشهادة الأول وهو جار على غير ذلك التقدير أيضا ، وتخصيص كتاب موسى عليهالسلام بالذكر بناء على عدم إرادة الإنجيل فيما تقدم لأن الملتين مجتمعتان على أنه من عند الله تعالى بخلاف الإنجيل فإن اليهود مخالفون فيه فكان الاستشهاد بما تقوم به الحجة على الفريقين أولى.
وأوجب بعضهم كون (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) جملة مبتدأة غير داخلة في حيز شيء مما قبلها وهو مبني على كثير من الاحتمالات السابقة في الشاهد ، وقرأ محمد بن السائب الكلبي وغيره (كِتابُ) بالنصب على أنه معطوف على مفعول ـ يتلوه ـ أو منصوب بفعل مقدر أي ويتول كتاب موسى ، والأول أولى لأن الأصل عدم التقدير ، ويتلو في هذه القراءة من التلاوة ، والضمير المنصوب للقرآن والمجرور لمن ، و (مِنْ) تبعيضية لا تجريدية ، والمعنى على ما يقتضيه كلام الكشاف (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) على أن القرآن حق لا مفترى ، والمراد به أهل الكتاب ممن كان يعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الحق وأن كتابه هو الحق لما كانوا وجدوه في التوراة ، ويقرأ القرآن شاهد من هؤلاء ، ويقرأ من قبل القرآن كتاب موسى ، والمراد بهذا الشاهد ما أريد به في قوله سبحانه : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي