إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) [الأحقاف : ١٠] وهو عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه ، ففي الآية مدح أهل الكتاب وخص من بينهم تالي الكتابين وشاهدهم بالذكر دلالة على مزيد فضله وتنبيها على أنهم مشايعوه في اتباع الحق وإن لم يبلغوا رتبة الشاهد ، وفي قوله تعالى : (يَتْلُوهُ) استحضار للحال ودلالة على استمرار التلاوة ، وهو كما قيل في غاية التطابق للكلام (إِماماً) ، أي مؤتما به في الدين ومقتدى ، وفي التعرض لهذا الوصف مع بيان تلو الكتاب ما لا يخفى من تفخيم شأن المتلو والتنوين فيه للتعظيم ، وكذا في قوله سبحانه : (وَرَحْمَةً) أي نعمة عظيمة على من أنزل إليهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة باعتبار أحكامه الباقية المؤيدة بالقرآن العظيم وهما حالان من الكتاب (أُولئِكَ) أي الموصوفون بتلك الصفة الحميدة وهي الكون على بينة (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي يصدقون بالقرآن حق التصديق حسبما يشهد به تلك الشواهد الحقة المعربة عن حقيته ولا يقلدون أحدا من عظماء الدين ؛ فالضمير للقرآن ، وقيل : إنه لكتاب موسى عليهالسلام لأنه أقرب ولا يناسب ما بعد ، وإن لم يك خاليا عن الفائدة ، وقيل : إنه للنبي صلىاللهعليهوسلم (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي بالقرآن ولم يعتد بتلك الشواهد الحقة ولم يصدق بها (مِنَ الْأَحْزابِ) من أهل مكة ومن تحزب معهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاله بعضهم ، وأخرج عبد الرزاق عن قتادة أن الأحزاب الكفار مطلقا فإنهم تحزبوا على الكفر ، وروي ذلك عن ابن جبير ، وفي رواية أبي الشيخ عن قتادة أنهم اليهود والنصارى ، وقال السدي : هم قريش ، وقال مقاتل : هم بنو أمية وبنو المغيرة ابن عبد الله المخزومي وآل أبي طلحة بن عبيد الله (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) أي يردها لا محالة حسبما نطق به قوله سبحانه : (لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) وآيات أخر ، والموعد اسم مكان الوعد كما في قول حسان :
أوردتموها حياض الموت ضاحية |
|
فالنار موعدها والموت لاقيها |
وفي جعل النار موعدا إشعار بأن له فيها ما لا يوصف من أفانين العذاب (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) أي في شك من أمر القرآن وكونه من عند الله تعالى غبّ ما شهدت به الشواهد وظهر فضل من تمسك به ، أو لا تك في شك من كون النار موعدهم ، وادعى بعضهم أنه الأظهر وليس كذلك ، وأيا ما كان فالخطاب إن كان عاما لمن يصلح له فالمراد التحريض على النظر الصحيح المزيل للشك ، وإن كان للنبي صلىاللهعليهوسلم فهو بيان لأنه ليس محلا للشك تعريضا بمن شك فيه ولا يلزم من نهيه عليه الصلاة والسلام عنه وقوعه ولا توقعه منه صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ السلمي وأبو رجاء وأبو الخطاب السدوسي والحسن (مِرْيَةٍ) بضم الميم وهي لغة أسد وتميم ، والكسر لغة أهل الحجاز (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي الذي يربيك في دينك ودنياك (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بذلك إما لقصور أنظارهم واختلال أفكارهم وإما لاستكبارهم وعنادهم و (النَّاسِ) على ما روي عن ابن عباس أهل مكة ، وقال صاحب الفينان : جميع الكفار ، هذا والهمزة في (أَفَمَنْ) قيل : للتقرير و ـ من ـ مبتدأ والخبر محذوف أي أفمن كان كذا كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها ، وحذف معادل الهمزة ومثله كثير ، واختار هذا أبو حيان ، والذي يقتضيه كلام الزمخشري ـ ولعله الأولى ـ خلافه حيث قال : المعنى أمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة أي لا يعقبونهم ولا يقاربونهم في المنزلة إلى آخر ما قال ، وحاصله على ما في الكشف أن الفاء عاطفة للتعقيب مستدعية ما يعطف عليه وهو الدال عليه قوله سبحانه : (مَنْ كانَ) الآية ، فالتقدير أمن كان يريد الحياة الدنيا على أنها موصولة فمن كان على بينة من ربه ، والخبر محذوف لدلالة الفاء أي يعقبونهم أو يقربونهم ، والاستفهام للإنكار فيفيد أن لا تقارب بين الفريقين فضلا عن التماثل فلذلك صار أبلغ من نحو قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) [السجدة : ١٨] وأما إنها عطف على قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) فلا وجه له لأنه يصير من عطف الجملة ، ولا يدل على إنكار التماثل ، ولا معنى لتقدير الاستفهام في الأول فإن الشرط والجزاء لا إنكار عليه انتهى ، وهو جار على أحد مذهبين للنحاة في مثله ، ويعلم مما