ذلك الاتباع وجعل ذلك بعضهم علة الاسترذال وليس بشيء ، وقيل : المعنى أنهم اتبعوك في أول رأيهم أو ظاهره وليسوا معك في الباطن.
واستشكل هذا التعليق بأن ما قبل (إِلَّا) لا يعمل فيما بعدها إلا إذا كان مستثنى منه نحو ما قام إلا زيدا القوم أو مستثنى نحو جاء القوم إلا زيدا أو تابعا للمستثنى منه نحو ما جاءني أحد إلا زيدا خير من عمرو ، و (بادِيَ الرَّأْيِ) ليس واحدا من هذه الثلاثة في بادي الرأي ؛ وأجيب بأنه يغتفر ذلك في الظرف لأنه يتسع فيه ما لا يتسع في غيره ، واستشكل أمر الظرفية بأن فاعلا ليس بظرف في الأصل ، وقال مكي : إنما جاز في فاعل أن يكون ظرفا كما جاز في فعيل كقريب ، ومليء لإضافته إلى الرأي وهو كثيرا ما يضاف إلى المصدر الذي يجوز نصبه على الظرفية نحو جهد رأيي أنك منطلق.
وقال الزمخشري : ـ وتابعه غيره ـ أن الأصل وقت حدوث أول أمرهم أو وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه ، ولعل تقدير الوقت ليكون نائبا عن الظرف فينتصب على الظرفية ، واعتبار الحدوث بناء على أن اسم الفاعل لا ينوب عن الظرف وينتصب والمصدر ينوب عنه كثيرا فأشاروا بذكره إلى أنه متضمن معنى الحدوث بمعنييه فلذا جاز فيه ذلك ، وليس مرادهم أنه محذوف إذ لا داعي لذلك في المعنى على التفسيرين ، وما ذكروه هنا من أن الصفات لا ينوب منها عن الظرف إلا فعيل من الفوائد الغريبة ـ كما قال الشهاب ـ لكن استدركه بالمنع لأن فاعلا وقع ظرفا كثيرا كفعيل ، وذلك مثل خارج الدار وباطن الأمر وظاهره وغير ذلك مما هو كثير في كلامهم ، وقيل : هو ظرف ـ لنراك ـ أي ما نراك في أول رأينا أو فيما يظهر منه ، وقيل : لأراذلنا أي أنهم أراذل في أول النظر أو ظاهره لأن رذالتهم مكشوفة لا تحتاج إلى تأمل.
وقيل : هو نعت ـ لبشرا ـ وقيل : منصوب على أنه حال من ضمير نوح في (اتَّبَعَكَ) أي وأنت مكشوف الرأي لا حصافة فيك ، وقيل : انتصب على النداء لنوح عليهالسلام أي ـ يا بادي الرأي ـ أي ما في نفسك من الرأي ظاهر لكل أحد ، وقيل : هو مصدر على فاعل منصوب على المفعولية المطلقة والعامل فيه ما تقدم على تقدير الظرفية.
(وَما نَرى لَكُمْ) خطاب له عليهالسلام ولمتبعيه جميعا على سبيل التغليب أي وما نرى لك ولمتبعيك. (عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي زيادة تؤهلكم لاتباعنا لكم ، وعن ابن عباس تفسير ذلك بالزيادة في الخلق والخلق ، وعن بعضهم تفسيره بكثرة الملك والملك ، ولعل ما ذكرناه أولى ، وكأنّ مرادهم نفي رؤية (فَضْلٍ) بعد الاتباع أي ما نرى فيك وفيهم بعد الاتباع فضيلة علينا لنتبع وإلا فهم قد نفوا أولا أفضليته عليهالسلام في قولهم (ما نَراكَ) إلخ وصرحوا بأن متبعيه ـ وحاشاهم ـ أراذل ، وهو مستلزم لنفي رؤية (فَضْلٍ) لهم عليهم ، وقيل : إن هذا تأكيد لما فهم أولا ، وقيل : الخطاب لأتباعه عليهالسلام فقط فيكون التفاتا أي ما نرى لكم علينا شرف في تلك التبعية لنوافقكم فيها ، وحمل الفضل على التفضل والإحسان في احتمالي الخطاب على أن يكون مراد الملأ من جوابهم له عليهالسلام حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه أنا لا نتبعك ولا نترك ما نحن عليه لقولك لأنك بشر مثلنا ليس فيك ما يستدعي نبوتك وكونك رسول الله تعالى إلينا بذلك وأتباعك أراذل اتبعوك من غير تأمل وتثبت فلا يدل اتباعهم على أن فيك ما يستدعي ذلك وخفي عنا ، وأيضا لست ذا تفضل علينا ليكون تفضلك داعيا لنا لموافقتك كيفما كنت ولا أتباعك ذوو تفضل علينا لتوافقهم وإن كانوا أراذل مراعاة لحق التفضل ، فإن الإنسان قد يوافق الرذيل لتفضله ولا يبالي بكونه رذيلا لذلك مما يدور في الخلد إلا أن في القلب منه شيئا (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) جميعا لكون كلامكم واحدا ودعوتكم واحدة أو إياك في دعوى النبوة وإياهم في تصديقك ، قيل : واقتصروا على الظن احترازا منهم عن نسبتهم إلى المجازفة كما