ويجوز مثل ذلك عند الفراء ، وقال الزجاج : أجمع النحويون البصريون على أنه لا يجوز إسكان حركة الإعراب إلا في ضرورة الشعر كقوله :
فاليوم أشرب غير مستحقب |
|
إثما من الله ولا واغل |
وقوله :
وناع يخبرنا بمهلك سيد |
|
تقطع من وجد عليه الأنامل |
وأما ما روي عن أبي عمرو من الإسكان فلم يضبطه عنه الراوي ، وقد روى عنه سيبويه أنه كان يخفف الحركة ويختلسها وهذا هو الحق ، وذكر نحو ذلك الزمخشري ، وقال : إن الإسكان الصريح لحن عند الخليل ، وسيبويه ، وحذاق البصريين ، وفي قراءة أبيّ «أنلزمكموها» من شطر أنفسنا ، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ من شطر قلوبنا أي من تلقائها وجهتها ، وفي البحر أن ذلك على جهة التفسير لا على أنه قرآن لمخالفته سواد المصحف (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) أي لا تختارونها ولا تتأملون فيها ، والجملة في موضع الحال قال السمين : إما من الفاعل ، أو من أحد المفعولين ، واختير أنها في موضع الحال من ضمير المخاطبين ، وقدم الجار رعاية للفواصل ، ومحصول الجواب أخبروني إن كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة دعواي إلا أنها خافية عليكم غير مسلمة لديكم أيمكننا أن نكرهكم على قبولها وأنتم معرضون عنها غير متدبرين فيها أي لا يكون ذلك ـ كذا قرره شيخ الإسلام ـ ثم قال : وظاهره مشعر بصدوره عنه عليهالسلام بطريق إظهار اليأس عن إلزامهم والقعود عن محاجتهم كقوله : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) [هود : ٣٤] إلخ لكنه محمول على أن مراده عليهالسلام ردهم عن الإعراض عنها وحثهم على التدبر فيها بصرف الإنكار المستفاد من الهمزة إلى الإلزام حال كراهتهم لا إلى الإلزام مطلقا ، وقال مولانا سعدي جلبي : إن المراد من الإلزام هنا الجبر بالقتل ونحوه لا الإيجاب لأنه واقع فليفهم.
وجوز أن يراد بالبينة دليل العقل الذي هو ملاك الفضل وبحسبه يمتاز أفراد البشر بعضها عن بعض وبه تناط الكرامة عند الله عزوجل والاجتباء للرسالة وبالكون عليها التمسك به والثبات عليه وبخفائها على الكفرة على أن يكون الضمير للبينة عدم إدراكهم لكونها رحمة عليهم وبالرحمة النبوة التي أنكروا اختصاصه عليهالسلام بها بين ظهرانيهم ويكون المعنى أنكم زعمتم أن عهد النبوة لا يناله إلا من له فضيلة على سائر الناس مستتبعة لاختصاصه به دونهم أخبروني إن امتزت عليكم بزيادة مزية وحيازة فصيلة من ربي وآتاني بحسبها نبوة من عنده فخفيت عليكم تلك البينة ولم تصيبوها ولم تنالوها ولم تعلموا حيازتي لها وكوني عليها إلى الآن حتى زعمتم أني مثلكم وهي متحققة في نفسها أنلزمكم قبول نبوتي التابعة لها والحال أنكم كارهون لذلك ، ثم قيل : فيكون الاستفهام للحمل على الإقرار وهو الأنسب بمقام المحاجة ، وحينئذ يكون كلامه عليهالسلام جوابا عن شبهتهم التي أدرجوها في خلال مقالهم من كونه عليهالسلام بشرا قصارى أمره أن يكون مثلهم من غير فضل له عليهم وقطعا لشأفة آرائهم الركيكة انتهى ، وفيه أن كون معنى ـ أنلزمكموها ـ أنلزمكم قبول نبوتي التابعة لها غير ظاهر على أن في أمر التبعية نظرا كما لا يخفى ، ولعل الإتيان بما أتي به من الشرط من باب المجاراة وإسناد الإلزام لضمير الجماعة إما للتعظيم أو لاعتبار متبعيه عليهالسلام معه في ذلك (وَيا قَوْمِ) ناداهم بذلك تلطفا بهم واستدراجا لهم (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي التبليغ المفهوم مما تقدم ، وقيل : الضمير للإنذار ، وإفراد الله سبحانه بالعبادة ، وقيل : للدعاء إلى التوحيد ، وقيل : غير ذلك ، وكلها أقوال متقاربة أي لا أطلب منكم على ذلك (مالاً) تؤدونه إلي بعد إيمانكم ، وأجرا لي في مقابلة اهتدائكم (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) فهو سبحانه يثيبني على ذلك في الآخرة ولا بدّ حسب وعده الذي لا يخلف. فالمراد بالأجر الأجر على التبليغ ، وجوز