الطيبي ـ لأنه مقدمة وتمهيد للجواب ، وبينه بأن قوله (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) إثبات لنبوته يعني ما قلت لكم (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) إلا عن بينة على إثبات نبوتي وصحة دعوتي لكن خفيت عليكم وعميت حتى أوردتم تلك الشبه الواهية ومع ذلك ليس نظري فيما ادعيت إلا إلى الهداية وإني لا أطمع بمال حتى ألازم الأغنياء منكم وأطرد الفقراء وأنتم تجهلون هذا المعنى حيث تقولون : اطرد الفقراء وإن الله سبحانه ما بعثني إلا للترغيب في طلب الآخرة ورفض الدنيا فمن ينصرني إن كنت أخالف ما جئت به ، ثم شرع فيما شرع ، وفي الكشف إن قوله (أَرَأَيْتُمْ) الآية جواب إجمالي عن الشبه كلها مع التعبير بأنهم لا يرجعون فيما يرمون إلى أدنى تدبر وقوله (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ) تتميم للتعبير وحث على ما ضمنه من التشويق إلى ما عنده ، وقوله : (ما أَنَا بِطارِدِ) تصريح بجواب ما ضمنوه في قولهم : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) من خسة الشركاء وأنه لو لا مكانهم لكان يمكن الاتباع إظهارا للتصلب فيما هو فيه وأن ما يورده ويصدره عن برهان من الله تعالى يوافيه وأنى يدع الحق الأبلج بالباطل اللجلج ، ثم شرع في الجواب التفصيلي بقوله : (وَلا أَقُولُ) إلخ ، وهو أحسن مما ذكره الطيبي ، وجعلوا هذا ردا لقولهم : (وَما نَرى لَكُمْ) إلخ كأنه يقول : عدم اتباعي وتكذيبي إن كان لنفيكم عني فضل المال والجاه فأنا لم أدعه ولم أقل لكم إن خزائن رزق الله تعالى وماله عندي حتى أنكم تنازعوني في ذلك وتنكرونه وإنما كان مني دعوى الرسالة المؤيدة بالمعجزات ، ولعل جوابه عليهالسلام عن ذلك من حيث إنه معني به مستتبع للجواب عنه من حيث إنه عني به متبعوه عليهالسلام أيضا ، وجعله جوابا عن قولهم : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) كما جوزه الطبرسي ليس بشيء ، وحمل الخزائن على ما أشرنا إليه هو المعول عليه.
وقال الجبائي وأبو مسلم : إن المراد بها مقدورات الله تعالى أي لا أقول لكم حين أدعي النبوة عندي مقدورات الله تعالى فأفعل ما أشاء وأعطي ما أشاء وأمنع ما أشاء وليس بشيء ، ومثله ـ بل أدهى وأمر ـ قول ابن الأنباري : إن المراد بها غيوب الله تعالى وما انطوى عن الخلق ، وجعل ابن الخازن هذه الجملة عطفا على (لا أَسْئَلُكُمْ) إلخ ، والمعنى عنده لا أسألكم عليه مالا ولا أقول لكم عندي خزائن الله التي لا يفنيها شيء فأدعوكم إلى اتباعي عليها لأعطيكم منها (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) عطف على (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) المقول للقول ، وذكر معه النفي مع أن العطف على مقول القول المنفي منفي أيضا من غير أن يذكر معه أداة نفي لتأكيد النفي السابق والتذكير به ودفع احتمال أن لا يقول هذا المجموع فلا ينافي أن يقول أحدهما أي ولا أقول أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني لاستبعاد ذلك وما ذكرت من دعوى النبوة والإنذار بالعذاب إنما هو بوحي وإعلام من الله تعالى مؤيد بالبينة والغيب ما لم يوح به ولم يقم عليه دليل ، ولعله إنما لم ينف عليهالسلام القول بعلم الغيب على نحو ما فعل في السابق واللاحق مبالغة في نفي هذه الصفة التي ليس لأحد سوى الله تعالى منها نصيب أصلا ، ويجوز عطفه على (أَقُولُ) أي لا أقول لكم ذلك ولا أدعي علم الغيب في قولي إني نذير مبين إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم حتى تسارعوا إلى الإنكار والاستبعاد ، وقيل : هو معطوف على هذا أو ذاك إلا أن المعنى لا أعلم الغيب حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب ولا يخفى حاله ، واعترض على الأول بأنه غير ملائم للمقام ، ثم قيل : والظاهر أنه صلىاللهعليهوسلم حين ادعى النبوة سألوه عن المغيبات ، وقالوا له : إن كنت صادقا أخبرنا عنها فقال : أنا أدعي النبوة بآية من ربي ولا أعلم الغيب إلا بإعلامه سبحانه ، ولا يلزم أن يذكر ذلك في النظم الكريم كما أن سؤال طردهم كذلك انتهى ، وفيه أن زعم عدم الملاءمة ليس على ما ينبغي ، وأيضا لا يخفى أنه لا قرينة تدل على وقوعه جوابا لما لم يذكر ، وأما سؤال طردهم فإن الاستحقار قرينة عليه في الجملة ، وقد صرح بعض السلف به ومثله لا يقال من قبل الرأي (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) رد لقولهم (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أي لا أقول ترويجا لما أدعيه من النبوة إني مل ك حتى تقولوا لي ذلك وتكذبوني فإن البشرية ليست من موانع النبوة بل من