مرت الإشارة إليه ، والأمر إما واحد الأوامر أي الأمر بركوب السفينة أو بالفوران أو للسحاب بالإرسال أو للملائكة عليهمالسلام بالتصرف فيما يراد أو نحو ذلك ، وإما واحد الأمور وهو الشأن أعني نزول العذاب بهم (وَفارَ التَّنُّورُ) أي نبع منها الماء وارتفع بشدة كما تفور القدر بغليانها وفيه من الاستعارة ما لا يخفى ، والمراد من التنور تنور الخبز عند الجمهور ، وكان على ما روي عن الحسن ومجاهد تنورا لحواء تخبز فيه ثم صار لنوح عليهالسلام وكان من حجارة ، وقيل : هو تنور في الكوفة في موضع مسجدها عن يمين الداخل مما يلي باب كندة ، وجاء ذلك في رواية عن علي كرم الله تعالى وجهه ، وقيل : تنور بالهند ، وقيل : بعين وردة من أرض الجزيرة العمرية أو من أرض الشام ، وقيل : ليس المراد به تنورا معينا بل الجنس ، والمراد فار الماء من التنانير ، وفي ذلك من عجيب القدرة ما لا يخفى ، ولا تنافي بين هذا وقوله سبحانه : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢] إذ يمكن أن يكون التفجير غير الفوران فحصل الفوران للتنور والتفجير للأرض ، أو يراد بالأرض أماكن التنانير ، ووزنه تفعول من النور ، وأصله تنوور فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها ، ثم حذفت تخفيفا ، ثم شددت النون عوضا عما حذف ، ونقل هذا عن ثعلب ، وقال أبو علي الفارسي : وزنه فعول ، وقيل : على هذا إنه أعجمي ولا اشتقاق له ، ومادته تنر ، وليس في كلام العرب نون قبل راء ، ونرجس معرب أيضا ، والمشهور أنه مما اتفق فيه لغة العرب والعجم كالصابون والسمور ، وعن ابن عباس وعكرمة والزهري أن (التَّنُّورُ) وجه الأرض هنا ، وعن قتادة أنه أشرف موضع منها أي أعلاه وأرفعه ، وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه تنوير الصبح ، والظاهر أنه لم يستعمل في اللغة العجمية بهذه المعاني الأخيرة ، وجوز أن يكون فوران التنور مجازا عن ظهور العذاب وشدة الهول ، وهذا كما جاء في الخبر حمى الوطيس مجازا عن شدة الحرب وليس بين الجملتين كثير فرق في المعنى وهو معنى حسن لكنه بعيد عما جاءت به الأخبار (قُلْنَا احْمِلْ فِيها) أي في الفلك ، وأنث الضمير لأنه بمعنى السفينة ، والجملة استئناف أو جواب إذا (مِنْ كُلٍ) أي من كل نوع من الحيوانات ينتفع به الذين ينجون من الغرق وذراريهم بعد ، ولم تكن العادة جارية بخلقه من غير ذكر وأنثى ، والجار والمجرور متعلق ـ بأحمل ـ أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله أعني قوله سبحانه : (زَوْجَيْنِ) وهو تثنية زوج ، والمراد به الواحد المزدوج بآخر من جنسه ، فالذكر زوج للأنثى كما هي زوج له ، وقد يطلق على مجموعها ، وليس بمراد ، وإلا لزم أن يحمل من كل صنف أربعة ، ولئلا يراد ذلك وصف بقوله تعالى : (اثْنَيْنِ) وحاصل المعنى احمل ذكرا وأنثى من كل نوع من الحيوانات ، وقرأ الأكثرون (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) بالإضافة فاثنين على هذا مفعول ـ احمل ـ و (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) حال منه ، ولو أخر لكان صفة له أي احمل اثنين من كل زوجين أي صنف ذكر وصنف أنثى ، وقيل : (مِنْ) زائدة وما بعدها مفعول احمل ، و (اثْنَيْنِ) نعت لزوجين بناء على جواز زيادة (مِنْ) في الموجب ثم ما ذكرناه في تفسير العموم الذي مال إليه البعض وأدرج فيه أناس الهوام والطير ، وذكر أنه روي أنه عليهالسلام جعل للسفينة ثلاثة بطون وحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام ، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام ، وركب هو ومن معه في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد ، وحمل معه جسد آدم عليهالسلام وجعله معترضا بين الرجال والنساء ، وكان حمله بوصية منه عليهالسلام توارثها ولده حتى وصلت إلى نوح عليهالسلام ، ويعارض هذا التقسيم ما روي أن الطبقة السفلى للوحش. والوسطى للطعام والعليا له عليهالسلام ولمن آمن ، وتوسع بعضهم في العموم فأدرج فيه ما ليس من جنس الحيوان ، وأيد بما أخرجه إسحاق بن بشر وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعا أن نوحا عليهالسلام حمل معه في السفينة من جميع الشجر ، وبما أخرجه أبو الشيخ عن جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما قال : أمر نوح عليهالسلام أن يحمل معه (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) فحمل من التمر العجوة واللون.