يضرب بيديه على الزوجين فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيدخلهما السفينة حتى أدخل عدة ما أمر الله تعالى به ، وروى إسحاق بن بشر وغيره عن زيد بن ثابت أنه استعصت عليه عليهالسلام الماعزة فدفعها في ذنبها فمن ثم انكسر وبدا حياها ومضت النعجة حتى دخلت فمسح على ذنبها فستر حياها.
وفي كتب الأخبار كثير من هذه الآثار التي يقضى منها العجب ، وأنا لا أعتقد سوى أن الله عزت قدرته خلق الماعزة والنعجة من قبل على ما هما عليه اليوم وأنه سبحانه لم يخلق الهرة من الأسد وإن أشبهته صورة ولا الخنزير من الفيل وإن كان بينهما شبه ما كما شاهدناه عام مجيء الفيل إلى بغداد ولو كلف الفيل أكل العذرة لكان أحب إلى أهل السفينة من زيادة خنزير فيها وأحب من ذلك كله إليهم أن لا يكون في السفينة غيرهم أو يكون حيوان واحد يخلق لهم من عطاسه ما يريدونه من الحيوانات ويحتاجون إليه بعد.
والذي يميل القلب إليه أن الطوفان لم يكن عاما ـ كما قال به البعض ـ وأنه عليهالسلام لم يؤمر بحمل ما جرت العادة بتكونه من عفونة الأرض كالفأر والحشرات بل أمر بحمل ما يحتاج إليه إذا نجا ومن معه من الغرق لئلا يغتموا لفقده ويتكلفوا مشقة جلبه من الأصقاع النائية التي لم يصلها الغرق فكأنه قيل : قلنا احمل فيها من كل ما تحتاجونه إذا نجوتم زوجين اثنين ، وإن قلنا بعموم الغرق نقول أيضا : إنه عليهالسلام لم يكلف بحمل شيء من المتكونات من العفونة بل كلف بالحمل مما يتناسل من الحيوانات لمصلحة بقاء النوع ، وكانت السفينة بحيث تسع ذلك عادة أو معجزة وقدرة الله تعالى أجل من أن تضيق عن ذلك ، وإن قيل بالعموم على وجه يبقى معه بعض الجبال أجاز أن يقال : إنه عليهالسلام لم يحمل إلا مما لا مهرب له ويضر فقده بجماعته ، ولو قيل : إن العموم على إطلاقه وأنه عليهالسلام لم يحمل في السفينة إلا ما تتسع له عادة مما يحتاج إليه لئلا يضيق أصحابه ذرعا بفقده بالكلية حسبما تقتضيه الطباع البشرية وغرق ما عدا ذلك لكن الله تعالى جلت قدرته خلق نظير ما غرق بعد على الوجه الذي فعل قبل لم يكن ذلك بدعا ممن أمره بين الكاف والنون جل شأنه وعظم سلطانه.
هذا وإنما قدم ذلك على أهله وسائر المؤمنين قيل : لكونه عريقا بالحمل المأمور به لأنه يحتاج إلى مزاولة الأعمال منه عليهالسلام في تمييز بعض عن بعض وتعيين الأزواج ، وأما البشر فإنما يدخل الفلك باختياره فيخف فيه معنى الحمل ، أو لأن ذلك إنما يحمل بمباشرة البشر وهم إنما يدخلونها بعد حملهم إياه ، ويجوز أن يكون التقديم حفظا للنظم الكريم عن الانتشار ، وأيا ما كان فقوله سبحانه : (وَأَهْلَكَ) عطف على (زَوْجَيْنِ) أو على (اثْنَيْنِ) والمراد بأهله على ما في بعض الآثار امرأته المسلمة وبنوه منها وهم سام عليهالسلام ـ وهو أبو العرب ـ وأصله على ما قال البكري : بالشين المعجمة ، وحام ـ وهو أبو السودان ـ قيل : إنه أصاب زوجته في السفينة فدعا نوح عليهالسلام أن تغير نطفته فغيرت ، وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن أبي صالح ، ويافث كصاحب ـ وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج ـ وزوجة كل منهم (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) بأنه من المغرقين لظلمهم ، وذلك في قوله سبحانه : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) الآية ، والمراد زوجة له أخرى تسمى واعلة بالعين المهملة ، وفي رواية والقة وابنه منها كنعان وكان اسمه فيما قيل : يام وهذا لقبه عند أهل الكتاب وكانا كافرين ، وفي هذا دلالة على أن الأنبياء عليهمالسلام يحل لهم نكاح الكافرة بخلاف نبينا صلىاللهعليهوسلم لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ) [الأحزاب : ٥٠] الآية ، والاستثناء جوز أن يكون متصلا إن أريد بالأهل الأهل إيمانا ، وأن يكون منقطعا إن أريد به الأهل قرابة ، ويكفي في صحة الاستثناء المعلومية عند المراجعة إلى أحوالهم والتفحص عن أعمالهم ، وجيء بعلى لكون السابق ضارا لهم كما جيء باللام فيما هو نافع في قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ١٧١] وقوله سبحانه : (إِنَ