يصح أن تجعل محضة فتعرف إلا ما كان من الصفة المشبهة فلا تتمحض إضافتها فلا تعرف ، والرسو الثبوت والاستقرار ومنه قول الشاعر :
فصبرت نفسا عند ذلك حرة |
|
«ترسو» إذا نفس الجبان تطلع |
(إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) قيل : الجملة مستأنفة لبيان الموجب أي لو لا مغفرته لفرطانكم ورحمته إياكم لما أنجاكم من هذه الطامة إيمانكم ، وفيه دلالة على أن نجاتهم لم تكن عن استحقاق بسبب أنهم كانوا مؤمنين بل بمحض رحمة الله تعالى وغفرانه على ما عليه أهل السنة ، ومنع صلاحية كونها علة ـ لاركبوا ـ لعدم المناسبة فيقدر ما يصح به الكلام بأن يقال : امتثلوا هذا الحكم لينجيكم من الهلاك بمغفرته ورحمته ، أو يقال : (ارْكَبُوا فِيها) ذاكرين الله تعالى ولا تخافوا الغرق لما عسى فرط منكم من التقصير لأن الله تعالى شأنه غفور للخطايا والذنوب رحيم بعباده ، وجعلها بعضهم تعليلا بالنظر إلى ما فيها من الإشارة إلى النجاة فكأنه قيل : اركبوا لينجيكم الله سبحانه ، وقوله سبحانه : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) جوز فيه ثلاثة أوجه : الأول أن يكون مستأنفا ، الثاني أن يكون حالا من الضمير المستتر في (بِسْمِ اللهِ) أي جريانها استقر (بِسْمِ اللهِ) حال كونها جارية ، الثالث أنه حال من شيء محذوف دل عليه السياق أي فركبوا فيها جارية ، والفاء المقدرة للعطف ، و (بِهِمْ) متعلق ـ بتجري ـ أو بمحذوف أي ملتبسة والمضارع لحكاية الحال الماضية ولا معنى للحالية من الضمير المستتر في الحال الأولى كما لا يخفى ، والموج ما ارتفع من الماء عند اضطرابه ، واحده موجة و (كَالْجِبالِ) في موضع الصفة لموج أي في موج مرتفع متفاوت في الارتفاع متراكم ، قيل : إنها جرت بهم في موج كذلك وقد بقي منها فوق الماء ستة أذرع ، واستشكل هذا الجريان مع ما روي أن الماء طبق ما بين السماء والأرض وأن السفينة كانت تجري في داخله كالسمك ، وأجيب بأن الرواية مما لا صحة لها ويكاد العقل يأبى ذلك ، نعم أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن عساكر وعبد بن حميد من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير قال : إن الماء علا رأس كل جبل خمسة عشر ذراعا على أنه لو سلم صحة ما ذكر فهذا الجريان كان في ابتداء الأمر قبل أن يتفاقم الخطب كما يدل عليه قوله سبحانه : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) إلخ فإن ذلك إنما يتصور قبل أن تنقطع العلاقة بين السفينة والبر إذ حينئذ يمكن جريان ما جرى بين نوح عليهالسلام وبين ابنه من المفاوضة والاستدعاء إلى السفينة ، والجواب بالاعتصام بالجبل.
وقال بعض المحققين : إن هذا النداء إنما كان قبل الركوب في السفينة والواو لا تدل على الترتيب ، وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قرأ ابنها على أن ضمير التأنيث لامرأته ، وفي إضافته إليها إشعار بأنه ربيبه لأن الإضافة إلى الأم مع ذكر الأب خلاف الظاهر ، وإن جوزوه ، ووجه بأنه نسب إليها لكونه كافرا مثلها ، وما يقال من أنه كان لغير رشدة لقوله سبحانه : (فَخانَتاهُما) [التحريم : ١٠] فارتكاب عظيمة لا يقادر قدرها فإن الله تعالى قد طهر الأنبياء عليهمالسلام عما هو دون ذلك من النقص بمراحل فحاشاهم ثم حاشاهم أن يشار إليهم بأصبع الطعن وإنما المراد بالخيانة الخيانة في الدين ، ونسبة هذا القول إلى الحسن ومجاهد ـ كما زعم الطبرسي ـ كذب صريح ، وقرأ محمد بن علي وعروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهم (ابْنَهُ) بهاء مفتوحة دون ألف اكتفاء بالألف (١) عنها وهو لغة ـ كما قال ابن عطية ـ ومن ذلك قوله :
إما تقود بها شاة فتأكلها |
|
أو أن تبيعه في بعض الأراكيب |
__________________
(١) قوله اكتفاء بالألف إلخ كذا في خطه ، ولعله بالفتحة عن الألف.