قيل : وهو ضعيف في العربية حتى خصه بعضهم بالضرورة والضمير للأم أيضا ، وقرأ ابن عباس ابنه بسكون الهاء ، وهي على ما قال ابن عطية وأبو الفضل الرازي لغة أزد فإنهم يسكنون هاء الكناية من المذكر ، ومنه قوله :
ونضواي (٢) مشتاقان له أرقان
وقيل : إنها لغة لبني كلاب وعقيل ، ومن النحويين من يخص هذا السكون بالضرورة وينشد :
وأشرب الماء ما بي نحوه عطش |
|
ألا لأن عيونه سيل واديها |
وقرأ السدي ـ «ابناه» ـ بألف وهاء سكت ، وخرج ذلك على الندبة ، واستشكل بأن النحاة صرحوا بأن حرف النداء لا يحذف في الندبة ، وأجيب بأن هذا حكاية ، والذي منعوه في الندبة نفسها لا في حكايتها ، وعن ابن عطية ـ أبناه ـ بفتح همزة القطع التي للنداء ، وفيه أنه لا ينادي المندوب بالهمزة ، وأن الرواية بالوصل فيها والنداء بالهمزة لم يقع في القرآن ، ويبعد القول بالندبة أنها لا تلائم الاستدعاء إلى السفينة بعد كما لا يخفى ولو قيل : إن ابناه على هذه القراءة مفعول ـ نادى ـ أيضا كما في غيرها من القراءات ، والألف للإشباع والهاء الساكنة هاء الضمير في بعض اللغات لم يكن هناك محذور من جهة المعنى وهو ظاهر ، نعم يتوقف القول بذلك على السماع في مثله ؛ ومتى ثبت تعين عندي تخريج القراءة إن صحت عليه ، وقرأ الجمهور «ابنه» بالإضافة إلى ضمير نوح ، ووصلوا بالهاء واوا وتوصل في الفصيح ، وتنوين «نوح» مكسور عند الجمهور دفعا لالتقاء الساكنين ، وقرأ وكيع بضمه اتباعا لحركة الإعراب.
وقال أبو حاتم : هي لغة سوء لا تعرف (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) أي مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وإخوته ومن آمن من قومه ، والمراد بعده عنهم إما حسا أو معنى ، وحاصله المخالفة لهم في الدين فمعزل بالكسر اسم مكان العزلة ، وهي إما حقيقية أو مجازية ، وقد يكون اسم زمان ، وإذا فتح كان مصدرا ، وقيل : المراد ـ كان في معزل ـ عن الكفار قد انفرد عنهم ، وظن نوح عليهالسلام أنه يريد مفارقتهم ولذلك دعاه إلى السفينة ، وقيل : إنما ناداه لأنه كان ينافقه فظن أنه مؤمن ، واختاره كثير من المحققين كالماتريدي وغيره ، وقيل : كان يعلم أنه كافر إلى ذلك الوقت لكنه عليهالسلام ظن أنه عند مشاهدة تلك الأهوال وبلوغ السيل الزبي ينجر عما كان عليه ويقبل الإيمان ، وقيل : لم يجزم بدخوله في الاستثناء لما أنه كان كالمجمل فحملته شفقة الأبوة على أن ناداه (يا بُنَيَ) بفتح الياء التي هي لام الكلمة اجتزاء بالفتحة عن الألف المبدلة من ياء الإضافة في قوله يا بنيا ، وقيل : إنها سقطت لالتقائها ساكنة مع الراء الساكنة بعدها ، ويؤيد الأول أنه قرئ كذلك حيث لا ساكن بعد.
ومن الناس من قال : فيه ضعف على ما حكاه يونس من ضعف يا أب ويا أم بحذف الألف والاجتزاء عنها بالفتحة.
وقرأ الجمهور بالكسر اقتصارا عليه من ياء الإضافة ، وقيل : إنها حذفت لالتقاء الساكنين كما قيل ذلك في الألف ، ونداؤه بالتصغير من باب التحنن والرأفة ، وكثيرا ما ينادي الوالد ولده كذلك (ارْكَبْ مَعَنا) أي في السفينة ولتعينها وللإيذان بضيق المقام حيث حال الجريض دون القريض مع إغناء المعية عن ذكرها لم تذكر ، وأطلق الركوب وتخفيف الباء وإدغامها في الميم قراءتان سبعيتان ووجه الإدغام التقارب في المخرج (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) تأكيد للأمر وهو نهي عن مشايعة الكفرة والدخول في غمارهم ، وقطع بأن الدخول فيه يوجب الغرق على الطريق البرهاني (قالَ سَآوِي) أي سأنضم (إِلى جَبَلٍ) من الجبال ، وقيل : عنى طورزيتا (يَعْصِمُنِي) أي يحفظني بارتفاعه (مِنَ
__________________
(٢) قوله : ونضواي كذا بخطه رحمهالله ، والذي في الصحاح وغيره ومطواي.