وغيرهما عن محمد القرظي قال : دخل في ذلك السلام والبركات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ودخل في ذلك المتاع والعذاب الأليم كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة ، وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنه قال في الآية ما زال الله تعالى يأخذ لنا بسهمنا وحظنا ويذكرنا من حيث لا نذكر أنفسنا كلما هلكت أمة خلقنا في أصلاب من ينجو بلطفه حتى جعلنا في خير أمة أخرجت للناس ، وقيل : المراد بالأمم الممتعة قوم هود وصالح ولوط وشعيب عليهمالسلام ، وبالعذاب ما نزل بهم ، وبالغ بعضهم في عموم الأمم في الأول فجعلها شاملة لسائر الحيوانات التي كانت معه عليهالسلام فإن الله تعالى جعل فيها البركة ـ وليس بشيء ـ كما لا يخفى ، وهاهنا لطيفة وهي أنه قد تكرر في هذه الآية حرف واحد مرات مع غاية الخفة ولم تتكرر الراء مثله في قوله :
وقبر حرب بمكان قفر |
|
وليس قرب قبر حرب قبر |
ومع ما ترى فيه من غاية الثقل وعسر النطق ، ولله تعالى شأن التنزيل ما أكثر لطائفه (تِلْكَ) إشارة إلى قصة نوح عليهالسلام وهي لتقضيها في حكم البعيد ، ويحتمل أنه أشير بأداة البعد إلى بعد منزلتها ، وقيل : إن الإشارة إلى آيات القرآن وليس بذاك ؛ وهي في محل الرفع على الابتداء ، وقوله سبحانه : (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أي بعض أخباره التي لها شأن وكونها بعض ذلك باعتبار أنها على التفصيل لم تبق لطول العهد معلومة لغيره تعالى حتى أن المجوس على ما قيل : ينكرونها رأسا ، وقيل : إن كونها من الغيب لغير أهل الكتاب. وقد ذكر غير واحد أن الغيب قسمان : ما لا يتعلق به علم مخلوق أصلا وهو الغيب المطلق ، وما لا يتعلق به علم مخلوق معين وهو الغيب المضاف بالنسبة إلى المخلوق ، وهو مراد الفقهاء في تكفير الحاكم على الغيب ، وقوله سبحانه : (نُوحِيها) خبر ثان ـ لتلك ـ والضمير لها أي موحاة (إِلَيْكَ) أو هو الخبر ، و (مِنْ أَنْباءِ) متعلق به ، وفائدة تقديمه نفي أن يكون علم ذلك بكهانة أو تعلم من الغير ، والتعبير بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية ، أو (مِنْ أَنْباءِ) هو الخبر ، وهذا في موضع الحال من (أَنْباءِ) والمقصود من ذكر كونها موحاة إلجاء قومه صلىاللهعليهوسلم للتصديق بنبوته عليه الصلاة والسلام وتحذيرهم مما نزل بالمكذبين ، وقوله تعالى :
(ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) خبر آخر أي مجهولة عندك وعند قومك (مِنْ قَبْلِ هذا) أي الإيحاء إليك المعلوم مما مر ، وقيل : أي الوقت ، وقيل : أي العلم المكتسب بالوحي.
وفي مصحف ابن مسعود ـ من قبل هذا القرآن ـ ويحتمل أن يكون حالا من الهاء في (نُوحِيها) أو الكاف من (إِلَيْكَ) أي غير عالم أنت ولا قومك بها ، وذكر القوم معه صلىاللهعليهوسلم من باب الترقي كما تقول : هذا الأمر لا يعلمه زيد ولا أهل بلدة لأنهم مع كثرتهم إذا لم يعلموا ذلك فكيف يعلمه واحد منهم ، وقد علم أنه لم يخالط غيرهم. (فَاصْبِرْ) متفرع على الإيحاء أو على العلم المستفاد منه المدلول عليه بما تقدم (مِنْ قَبْلِ هذا) أي وإذ قد أوحيناها إليك أو علمتها بذلك فاصبر على مشاق تبليغ الرسالة وأذية قومك كما صبر نوح عليهالسلام على ما سمعته من أنواع البلايا في هذه المدة المتطاولة. قيل : وهذا ناظر إلى ما سبق من قوله سبحانه : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) [هود : ١٢] إلخ (إِنَّ الْعاقِبَةَ) بالظفر في الدنيا وبالفوز بالآخرة (لِلْمُتَّقِينَ) كما سمعت ذلك في نوح عليهالسلام وقومه ، قيل : وهو تعليل للأمر بالصبر وتسلية له صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بالتقوى الدرجة الأولى منها ، وجوز أن يراد بها الدرجة الثالثة وهي بذلك المعنى منطوية على الصبر فكأنه قيل : فاصبر فإن العاقبة للصابرين ، وقيل : الآية فذلكة لما تقدم وبيان للحكمة في إيحاء ذلك من إرشاده صلىاللهعليهوسلم وتهديد قومه المكذبين له والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) إلخ لما كان مقتضى الطباع البشرية عدم