القول باعتبار الاستعارة أو المجاز المرسل في (اشْتَرى) وحده كما ذهب إليه البعض ، وقوله تعالى : (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) قيل بيان لمكان التسليم كما أشير إليه فيما تقدم ، وذلك لأن البيع سلم كما قال الطيبي ، وغيره ، وقيل : بيان لما لأجله الشراء كأنه لما قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى) إلخ ، قيل : لما ذا فعل ذلك؟ فقيل : ليقاتلوا في سبيله تعالى وقيل : بيان للبيع الذي يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل : كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة ، فقيل : يقاتلون في سبيله عز شأنه وذلك بذل منهم لأنفسهم وأموالهم إلى جهته تعالى وتعريض لهما للهلاك ، وقيل : بيان لنفس الاشتراء وقيل : ذكر لبعض ما شمله الكلام السابق اهتماما به على أن معنى ذلك أنه تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم بصرفها في العمل الصالح وأموالهم ببذلها فيما يرضيه وهو في جميع ذلك خبر لفظا ومعنى ولا محل له من الإعراب ، وقيل : إنه في معنى الأمر كقوله سبحانه : (تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [الصف : ١١] ووجه ذلك بأنه أتى بالمضارع بعد الماضي لإفادة الاستمرار كأنه قيل : اشتريت منكم أنفسكم في الأزل وأعطيت ثمنها الجنة فسلموا المبيع واستمروا على القتال ، ولا يخفى ما في بعض هذه الأقوال من النظر. وانظر هل ثم مانع من جعل الجملة في موضع الحال كأنه قيل : اشترى منهم ذلك حال كونهم مقاتلين في سبيله فإني لم أقف على من صرح بذلك مع أنه أوفق الأوجه بالاستعارة التمثيلية تأمل.
وقوله سبحانه : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) بيان لكون القتال في سبيل الله تعالى بذلا للنفس وأن المقاتل في سبيله تعالى باذل لها وإن كانت سالمة غانمة ، فإن الإسناد في الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الاتصاف بأحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض ، فإنه يتحقق القتال من الكل سواء وجد الفعلان أو أحدهما منهم أو من بعضهم بل يتحقق ذلك وإن لم يصدر منهم أحدهما أيضا كما إذا وجد المضاربة ولم يوجد القتل في أحد الجانبين ، ويفهم كلام بعضهم أنه يتحقق الجهاد بمجرد العزيمة والنفير وتكثير السواد وإن لم توجد مضاربة وليس بالبعيد لما أن في ذلك تعريض النفس للهلاك أيضا ، والظاهر أن أجور المجاهدين مختلفة قلة وكثرة وإن كان هناك قدر مشترك بينهم. ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة ألا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم». وفي رواية أخرى «ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم وما من غازية أو سرية تحنق وتصاب إلا أتم أجورهم». وزعم بعضهم أنهم في الأجر سواء ولا ينقص أجرهم بالغنيمة ، واستدلوا عليه بما في الصحيحين من أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة ، وبأن أهل بدر غنموا وهم ـ هم ـ ويرد عليه أن خبر الصحيحين مطلق وخبر مسلم مقيد فيجب حمله عليه ، وبأنه لم يجىء نص في أهل بدر أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط ، وكونهم هم ـ هم ـ لا يلزم منه أن لا يكون وراء مرتبتهم مرتبة أفضل منها ، والقول بأن في السند أبا هانئ وهو مجهول فلا يعول على خبره غلط فاحش فإنه ثقة مشهور روى عنه الليث بن سعد ، وحيوة ، وابن وهب. وخلائق من الأئمة ، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به في صحيحه ، ومثل هذا ما حكاه القاضي عن بعضهم من أن تعجل ثلثي الأجر إنما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها إذ لو كانت كذلك لم يكن ثلث الأجر ، وكذا ما قيل : من أن الحديث محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فإن ذلك ينقص ثوابه لا محالة ، فالصواب أن أجر من لم يغنم أكثر من أجر من غنم لصريح ما ذكرناه الموافق لصرائح الأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم. ويعلم من ذلك أن أجر من قتل أكثر من أجر من قتل لكون الأول من الشهداء دون الثاني ، وظاهر ما أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة «من قتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد ومن مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد» أن القتل في سبيل الله تعالى والموت فيها سواء