في الأجر وهو الموافق لمعنى قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٠٠] واستدل له أيضا بعض العلماء بغير ذلك مما لا دلالة فيه عليه كما نص عليه النووي رحمهالله تعالى ، وتقديم حالة القاتلية في الآية على حالة المقتولية للإيذان بعدم الفرق بينهما في كونهما مصداقا لكون القتال بذلا للنفس ، وقرأ حمزة. والكسائي بتقديم المبني للمفعول رعاية لكون الشهادة عريقة في هذا الباب إيذانا بعدم مبالاتهم بالموت في سبيل الله تعالى بل بكونه أحب إليهم من السلامة كما قال كعب بن زهير في حقهم :
لا يفرحون إذا نالت رماحهم |
|
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا |
لا يقع الطعن إلا في نحورهم |
|
وما لهم عن حياض الموت تهليل |
وفيه على ما قيل دلالة على جراءتهم حيث لم ينكسروا لأن قتل بعضهم ، ومن الناس من دفع السؤال بعدم مراعاة الترتيب في هذه القراءة بأن الواو لا تقتضيه ، وتعقب بأن ذلك لا يجدي لأن تقديم ما حقه التأخير في أبلغ الكلام لا يكون بسلامة الأمير كما لا يخفى (وَعْداً عَلَيْهِ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة لأن معنى الشراء بأن لهم الجنة وعد لهم بها على الجهاد في سبيله سبحانه ، وقوله تعالى : (حَقًّا) نعت له و (عَلَيْهِ) في موضع الحال من (حَقًّا) لتقدمه عليه ، وقوله سبحانه : (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) متعلق بمحذوف وقع نعتا لوعدا أيضا أي وعدا مثبتا في التوراة والإنجيل كما هو مثبت في القرآن فالمراد إلحاق ما لا يعرف مما يعرف إذ من المعلوم ثبوت هذا الحكم في القرآن ، ثم إن ما في الكتابين إما أن يكون أن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم اشترى الله تعالى منهم أنفسهم وأموالهم بذلك أو أن من جاهد بنفسه وماله له ذلك ، وفي كلا الأمرين ثبوت موافق لما في القرآن ، وجوز تعلق الجار باشترى ووعدا وحقا (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من حقية الوعد ، والمقصود من مثل هذا التركيب عرفا نفي المساواة أي لا أحد مثله تعالى في الوفاء بعهده ، وهذا كما يقال : ليس في المدينة أفقه من فلان فإنه يفيد عرفا أنه أفقه أهلها ، ولا يخفى ما في جعل الوعد عهدا وميثاقا من الاعتناء بشأنه (فَاسْتَبْشِرُوا) التفات إلى خطابهم لزيادة التشريف والاستبشار إظهارا لسرورهم ، وليست السين فيه للطلب ، والفاء لترتيبه أو ترتيب الأمر به على ما قبله أي فإذا كان كذلك فاظهروا السرور بما فزتم من الجنة ، وإنما قال سبحانه : (بِبَيْعِكُمُ) مع أن الابتهاج به باعتبار أدائه إلى الجنة لأن المراد ترغيبهم في الجهاد الذي عبر عنه بالبيع ، ولم يذكر العقد بعنوان الشراء لأن ذلك من قبله سبحانه لا من قبلهم والترغيب على ما قيل إنما يتم فيما هو من قبلهم ، وقوله تعالى : (الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) لزيادة تقرير بيعهم وللإشعار بتميزه على غيره فإنه بيع الفاني بالباقي ولأن كلا البدلين له سبحانه وتعالى ، ومن هنا كان الحسن إذا قرأ الآية يقول : أنفس هو خلقها وأموال هو رزقها (وَذلِكَ) أي البيع الذي أمرتم به (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي لا فوز أعظم منه ، وما في ذلك من البعد إشارة إلى بعد منزلة المشار إليه وسمو رتبته في الكمال ؛ والجملة تذييل مقرر لمضمون الأمر السابق ، ويجوز أن يكون تذييلا للآية الكريمة والإشارة إلى الجنة التي جعلت ثمنا بمقابلة ما بذلوا من أنفسهم وأموالهم ، وفي ذلك إعظام للثمن ومنه يعلم حال المثمن ، ونقل عن الأصمعي أنه أنشد للصادق رضي الله تعالى عنه :
أثامن بالنفس النفيسة ربها |
|
فليس لها في الخلق كلهم ثمن |
بها أشتري الجنات إن أنا بعتها |
|
بشيء سواها إن ذلكم غبن |
إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتها |
|
فقد ذهبت مني وقد ذهب الثمن |
والمشهور عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها ، وهو ظاهر في أن المبيع هو الأبدان ، وبذلك صرح بعض الفضلاء في حواشيه على تفسير البيضاوي حيث قال : إن الله تعالى اشترى من