وزعم بعضهم أنه يقال : بعير عنود ، ولا يقال : عنيد ، ويجمع الأول على عندة والثاني على عند ، وآخر أن العنود العادل عن الطريق المحسوس. والعنيد العادل عن الطريق في الحكم ؛ وكلاهما من ـ عند ـ وأصل معناه على ما قيل : اعتزل في جانب لأن ـ العند ـ بالتحريك الجانب يقال : يمشي وسطا لا عندا ، ومنه ـ عند الظرفية ، ويقال للناحية أيضا : العند مثلثة ، وهذا الحكم ليس كالحكمين السابقين من جحود الآيات وعصيان الرسل في الشمول لكل فرد فرد منهم فإن اتباع الأمر من أحكام الأسافل دون الرؤساء.
وقيل : هو مثل ذلك في الشمول ، والمراد ـ بالأمر ـ الشأن ـ وبكل جبار عنيد ـ من هذه صفته من الناس لا أناس مخصوصون من عاد متصفون بذلك ، والمراد باتباع الأمر ملازمته أو الرضا به على أتم وجه ، ويؤول ذلك إلى الاتصاف أي إن كلّا منهم اتصف بصفة كل جبار عنيد ، ولا يخفى ما فيه من التكلف الظاهر ، وقد يدعى العموم من غير حاجة إلى ارتكاب مثله ، والمراد على ما تقدم أنهم عصوا من دعاهم إلى سبيل الهدى وأطاعوا من حداهم إلى مهاوي الردى (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي إبعادا عن الرحمة وعن كل خير أي جعلت اللعنة لازمة لهم ، وعبر عن ذلك بالتبعية للمبالغة فكأنها لا تفارقهم وإن ذهبوا كل مذهب بل تدور معهم حسبما داروا ، أو لوقوعه في صحبة اتباعهم ، وقيل : الكلام على التمثيل بجعل اللعنة كشخص تبع آخر ليدفعه في هوة قدامه ، وضمير الجمع لعاد مطلقا كما هو الظاهر.
وجوز أن يكون للمتبعين للجبارين منهم ، وما حال قوم قدامهم الجبارون أهل النار وخلفهم اللعنة ، والبوار ، ويعلم من لعنة هؤلاء لعنة غيرهم المتبوعين على ما قيل بالطريق الأولى (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي واتبعوا يوم القيامة أيضا لعنة وهي عذاب النار المخلد حذف ذلك لدلالة الأول عليه وللإيذان بأن كلا من العنين نوع برأسه لم يجتمعا في قرن واحد بأن يقال : وأتبعوا في هذه الدنيا ويوم القيامة لعنة ، ونظير هذا قوله تعالى : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ) [الأعراف : ١٥٦] وعبر ـ بيوم القيامة ـ بدل الآخرة هنا للتهويل الذي يقتضيه المقام.
(أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) أي بربهم أو كفروا نعمته ولم يشكروها بالإيمان أو جحدوه (أَلا بُعْداً لِعادٍ) دعاء عليهم بالهلاك مع أنهم هالكون أيّ هلاك تسجيلا عليهم باستحقاق ذلك والاستئهال له ، ويقال في الدعاء بالبقاء واستحقاقه : لا يبعد فلان ، وهو في كلام العرب كثير ، ومنه قوله :
لا يبعدن قومي الذين هم |
|
سم العداة وآفة الجزر |
وجوز أن يكون دعاء باللعن كما في القاموس : البعد والبعاد اللعن ، واللام للبيان كما في قولهم : سقيا لك ، وقيل : للاستحقاق وليس بذاك ، وتكرير حرف التنبيه وإعادة عاد للمبالغة في تفظيع حالهم والحث على الاعتبار بقصتهم ، وقوله سبحانه : (قَوْمِ هُودٍ) عطف بيان على «عاد» وفائدته الإشارة إلى أن عادا كانوا فريقين : عادا الأولى وعادا الثانية ، وهي عاد إرم في قول ، وذكر الزمخشري في الفجر أن عقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح قيل لهم : عاد كما يقال لبني هاشم : هاشم ، ثم قيل للأولين منهم عاد الأولى وإرم تسمية لهم باسم جدهم ، ولمن بعدهم عاد الأخيرة ، وأنشد لابن الرقيات :
مجدا تليدا بناه أوله |
|
أدرك عادا وقبلها إرما |
ولعله الأوفق للنقل مع الإيماء إلى أن استحقاقهم للبعد بسبب ما جرى بينهم وبين هود عليهالسلام وهم قومه ، وليس ذلك لدفع اللبس إذ لا لبس في أن عادا هذه ليست إلا قوم هود عليهالسلام للتصريح باسمه وتكريره في القصة ، وقيل : ذكر ليفيد مزيد تأكيد بالتنصيص عليهم مع ما في ذلك من تناسب فواصل الآي.