(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) الكلام فيه كالكلام في نظيره السابق آنفا ، وجمهور القراء على منع صرف (ثَمُودَ) ذهابا إلى القبيلة ، وقرأ ابن وثاب والأعمش بالصرف على إرادة الحي (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي ابتدأ خلقكم منها فإنها المادة الأولى وآدم الذي هو أصل البشر خلق منها ، وقيل : الكلام على حذف مضاف أي أنشأ أباكم ، وقيل : (مِنْ) بمعنى في ، وليس بشيء ، والمراد الحصر كما يفهمه كلام بعض الأجلة كأن القوم لعدم أدائهم حقه سبحانه قد اعتقدوا أن الفاعل لذلك غيره تعالى ، أو هو مع غيره فخوطبوا على وجه قصر القلب أو قصر الأفراد بذلك ، واحتمال أنهم كانوا يعتقدون أحد الأمرين حقيقة لا تنزيلا يستدعي القول بأنهم كانوا طبيعية أو ثنوية وإلا فالوثنية ـ وإن عبدوا معه سبحانه غيره ـ لا يعتقدون خالقية غيره لهم بوجه من الوجوه ، وأخذ الحصر على ما قيل : من تقديم الفاعل المعنوي ، وقيل : إنه مستفاد من السياق لأنه لما حصر الإلهية فيه تعالى اقتضى حصر الخالقية أيضا ؛ فبيان ما خلقوا منه بعد بيان أنه الخالق لا غيره يقتضي هذا فتدبر ، والظاهر أن من يقول بالحصر هنا يقول به في قوله سبحانه : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) لمكان العطف وكونه معطوفا بعد اعتبار التقديم فلا ينسحب على ما بعده مما لا فائدة في التزامه أي وهو الذي جعلكم عمارها وسكانها فالاستفعال بمعنى الافعال يقال : أعمرته الأرض واستعمرته إذا جعلته عامرها وفوضت إليه عمارتها ، وإلى هذا ذهب الراغب وكثير من المفسرين ، وقال زيد بن أسلم : المعنى أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء مساكن وحفر أنهار وغرس أشجار وغير ذلك ، فالسين للطلب ، وإلى هذا ذهب الكيا ، واستدل بالآية على أن عمارة الأرض واجبة لهذا الطلب. وقسمها في الكشاف إلى واجب كعمارة القناطر اللازمة والمسجد الجامع. ومندوب كعمارة المساجد. ومباح كعمارة المنازل وحرام كعمارة الخانات ، وما يبنى للمباهاة أو من مال حرام كأبنية كثير من الظلمة ، واعترض على الكيا بأنه لم يكن هناك طلب حقيقة ولكن نزل جعلهم محتاجين لذلك ـ وإقدارهم عليه وإلهامهم كيف يعمرون ـ منزلة الطلب ، وقال الضحاك : المعنى عمركم فيها واستبقاكم وكان أحدهم يعمر طويلا حتى أن منهم من يعمر ألف سنة ، والمشهور أن الفعل من العمر وهو مدة الحياة بالتشديد ومن العمارة نقيض الخراب بالتخفيف ففي أخذ ذلك من العمر تجوز.
وعن مجاهد أن استعمر من العمرى بضم فسكون مقصور ، وهي ـ كما قال الراغب ـ في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمره ، والمعنى أعمركم فيها ورباكم أي أعطاكم ذلك ما دمتم أحياء ثم هو سبحانه وارثها منكم ، أو المعنى جعلكم معمرين دياركم فيها لأن الرجل إذا ورث داره من بعده فكأنما أعمره إياها لأنه يسكنها عمره ثم يتركها لغيره (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) تفريع على ما تقدم فإن ما ذكر من صنوف إحسانه سبحانه داع إلى الاستغفار والتوبة ، وقوله : (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) أي قريب الرحمة لقوله سبحانه : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] والقرآن يفسر بعضه بعضا (مُجِيبٌ) لمن دعاه وسأله زيادة في بيان ما يوجب ذلك والأول علة باعثة ، وهذا علة غائية وما ألطف التقديم والتأخير ، وصرح بعضهم أن (قَرِيبٌ) ناظر ـ لتوبوا ـ و (مُجِيبٌ) ـ لاستغفروا ـ كأنه ، قيل : ارجعوا إلى الله تعالى فإنه سبحانه (قَرِيبٌ) منكم أقرب من حبل الوريد واسألوه المغفرة فإنه جلا وعلا (مُجِيبٌ) السائلين ولا يخلو عن حسن (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا) أي فيما بيننا (مَرْجُوًّا) فاضلا خيرا نقدمك على جميعنا على ما روي عن ابن عباس.
وقال ابن عطية مشورا نأمل منك أن تكون سيدا سادا مسد الأكابر ، وقال كعب : كانوا يرجونه للملك بعد ملكهم لأنه كان ذا حسب وثروة.
وقال مقاتل : كانوا يرجون رجوعه إلى دينهم إذ كان يبغض أصنامهم ويعدل عن دينهم (قَبْلَ هذا) أي الذي