على أن المراد أن بدنه ضاق قدر عن احتمال ما وقع (وَقالَ هذا) اليوم (يَوْمٌ عَصِيبٌ) أي شديد ، وأصله من العصب بمعنى الشد كأنه لشدة شره عصب بعضه ببعض ، وقال أبو عبيدة : سمي بذلك لأنه يعصب الناس بالشر ، قال الراجز :
يوم عصيب يعصب الأبطالا |
|
عصب القوى السلم الطوالا |
وفي معناه العصبصب والعصوصب (وَجاءَهُ) أي لوطا وهو في بيته مع أضيافه (قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) قال أبو عبيدة : أي يستحثون إليه كأنه يحث بعضهم بعضا ، أو يحثهم كبيرهم ويسوقهم ، أو الطمع في الفاحشة ، والعامة على قراءته مبنيا للمفعول ، وقرأ جماعة «يهرعون» بفتح الياء مبنيا للفاعل من هرع ، وأصله من الهرع وهو الدم الشديد السيلان كأن بعضه يدفع بعضا ، وجاء أهرع القوم إذا أسرعوا ، وفسر بعضهم الإسراع بالمشي بين الهرولة والجمز. وعن ابن عباس أنه سئل عما في الآية ، فقال : المعنى يقبلون إليه بالغضب ، ثم أنشد قول مهلهل :
فجاءوا يهرعون وهم أسارى |
|
نقودهم على رغم الأنوف |
وفي رواية أخرى عنه أنه فسر ذلك بيسرعون وهو بيان للمراد ويستقيم على القراءتين ، وجملة (يُهْرَعُونَ) في موضع الحال من قومه أي جاءوا مهرعين إليه ، روي أنه لما جاء لوط بضيفه لم يعلم ذلك أحد إلا أهل بيته فخرجت امرأته حتى أتت مجالس قومها فقالت : إن لوطا قد أضاف الليلة فئة ما رئي مثلهم جمالا فحينئذ جاءوا يهرعون إليه (وَمِنْ قَبْلُ) أي من قبل وقت مجيئهم ، وقيل : «من قبل» بعث لوط رسولا إليهم (كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) قيل : المراد سيئة إتيان الذكور إلا أنها جمعت باعتبار تكررها أو باعتبار فاعليها.
وقيل : المراد ما يعم ذلك ، وإتيان النساء في محاشهن. والمكاء والصفير واللعب بالحمام والقمار والاستهزاء بالناس وغير ذلك ، والمراد من ذكر عملهم السيئات من قبل بيان أنهم اعتادوا المنكر فلم يستحيوا فلذلك أسرعوا لطلب الفاحشة من ضيوفه مظهرين غير مكترثين ، فالجملة معترضة لتأكيد ما قبلها.
وقيل : إنها بيان لوجه ضيق صدره لما عرف من عادتهم ، وجعلها شيخ الإسلام في موضع الحال كالتي قبلها أي جاءوا مسرعين ، والحال أنهم كانوا منهمكين في عمل السيئات.
(قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لعدم مشروعية تزويج المؤمنات من الكفار فإنه كان جائزا ، وقد زوج النبي صلىاللهعليهوسلم ابنته زينب لأبي العاص بن الربيع وابنته رقية لعتبة بن أبي لهب قبل الوحي ـ وكانا كافرين ـ إلا أن عتبة لم يدخل بها وفارقها بطلب أبيه حين نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [المسد : ١] فتزوّجها عثمان رضي الله تعالى عنه ، وأبا العاص كان قد دخل بها لكن لما أسر يوم بدر وفادى نفسه أخذ النبي صلىاللهعليهوسلم العهد عليه أن يردها إذا عاد فأرسل عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار في طلبها فجاءا بها ثم إنه أسلم وأتى المدينة فردها عليه الصلاة والسلام إليه بنكاح جديد أو بدونه على الخلاف.
وقال الحسن بن الفضل : إنه عليهالسلام عرض بناته عليهم بشرط الإسلام ، وإلى ذلك ذهب الزجاج ، وهو مبني على أن تزويج المسلمات من الكفار لم يكن جائزا إذ ذاك ، فقيل : كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه ولم يكن له عليهالسلام سواهما ، واسم إحداهما ـ على ما في بعض الآثار ـ زعوراء والأخرى زيتاء ، وقيل : كان له عليهالسلام ثلاث بنات ، وأخرجه الحاكم وصححه عن ابن عباس ، ويؤيده ظاهر الجمع وإن جاء إطلاقه على اثنين ، وأيا ما كان فقد أراد عليهالسلام بذلك وقاية ضيفه وهو غاية الكرم فلا يقال : كيف يليق به عليهالسلام أن يعرض بناته على