ولو لا رجال من رزام أعزة |
|
وآل سبيع أو أسوءك علقما |
أي لو أن لي بكم قوة أو أويا ، روي أنه عليهالسلام أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادل قومه عنهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة عليهمالسلام ما على لوط من الكرب.
(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) بضرر ولا مكروه فافتح الباب ودعنا وإياهم ، ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليهالسلام رب العزة في عقوبتهم فأذن له فلما دنوا طمس أعينهم فانطلقوا عميا يركب بعضهم بعضا وهم يقولون : النجاء النجاء فإن في بيت لوط قوما سحرة ، وفي رواية أنه عليهالسلام أغلق الباب على ضيفه فجاءوا فكسروا الباب فطمس جبريل أعينهم فقالوا : يا لوط جئتنا بسحرة وتوعدوه فأوجس في نفسه خيفة قال : يذهب هؤلاء ويذروني فعندها قال جبريل عليهالسلام : «لا تخف إنا رسل ربك» (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) بالقطع من الإسراء ، وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث جاء في القرآن من السرى ، وقد جاء سرى وهما بمعنى واحد عند أبي عبيدة والأزهري ، وعن الليث أسرى سار أول الليل وسرى سار آخره ولا يقال في النهار : إلا سار وليس هو مقلوب سرى ، والفاء لترتيب الأمر بالإسراء على الإخبار برسالتهم المؤذنة بورود الأمر والنهي من جنابه عزوجل إليه عليهالسلام ، والباء للتعدية أو للملابسة أي سر ملابسا بأهلك (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) قال ابن عباس : بطائفة منه ، وقال قتادة : بعد مضي صدر منه ، وقيل : نصفه ، وفي رواية أخرى عن الحبر آخره وأنشد قول مالك بن كنانة :
ونائحة تقوم بقطع ليل |
|
على رحل أهانته شعوب |
وليس من باب الاستدلال ، وإلى هذا ذهب محمد بن زياد لقوله سبحانه : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر: ٣٤] وتعقبه ابن عطية بأنه يحتمل أنه أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوزوا البلد المقتلع ، ووقعت نجاتهم بسحر ، وأصل القطع القطعة من الشيء لكن قال ابن الأنباري : إن ذلك يختص بالليل فلا يقال : عندي قطع من الثوب.
وفسر بعضهم القطع من الليل بطائفة من ظلمته ، وعن الحبر أيضا تفسيره بنفس السواد ، ولعله من باب المساهلة (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي لا يتخلف كما روي عن ابن عباس ، أو لا ينظر إلى ورائه كما روي عن قتادة ، قيل : وهذا هو المعنى المشهور الحقيق للالتفات ، وأما الأول فلأنه يقال : لفته عن الأمر إذا صرفته عنه فالتفت أي انصرف ، والتخلف انصراف عن المسير ، قال تعالى : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [يونس : ٧٨] أي تصرفنا كذا قال الراغب.
وفي الأساس أنه معنى مجازي ، والنهي في اللفظ لأحد ، وفي المعنى للوط عليهالسلام على ما نقل عن المبرد ، وهذا كما تقول لخادمك : لا يقم أحد في أن النهي في الظاهر لأحد ، وهو في الحقيقة للخادم أن لا يدع أحدا يقوم ، فالمعنى هنا فأسر بأهلك ولا تدع أحدا منهم يلتفت ؛ ولا يخفى أنه على هذا تتم المناسبة بين المعطوف عليه والمعطوف لأن الأول لأمره عليهالسلام والثاني لنهيه ، ويعلم من هذا أن ضمير «منكم» للأهل.
وقد صرح بذلك شهاب فلك الفضل الخفاجي ، فقال : وهاهنا لطيفة وهو أن المتأخرين من أهل البديع اخترعوا نوعا من البديع سموه تسمية النوع ، وهو أن يؤتى بشيء من البديع ويذكر اسمه على سبيل التورية كقوله في البديعية في الاستخدام :
واستخدموا العين مني فهي جارية |
|
وكم سمحت بها في يوم بينهم |
وتبجحوا باختراعه ، وأنا بمنّ الله تعالى أقول : إنه وقع في القرآن في هذه الآية لأن قوله سبحانه : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) إلخ وقع فيه ضمير (مِنْكُمْ) للأهل فقوله جل وعلا : (لا يَلْتَفِتْ) من تسمية النوع وهذا من بديع النكات انتهى ،