٤٠] و (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦] وذكر أنه وقف على نص من قبل الزجاج يوافق ذلك.
وفي المعالم عن الفراء أيضا ما يوافقه حيث نقل عنه أنه قال : هذا استثناء استثناء سبحانه ولا يفعله كقولك : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزيمتك أن تضربه ، وحذو القذة بالقذة ما نقله قبل عن بعضهم أن المعنى لو شاء لأخرجهم لكنه لا يشاء لأنه سبحانه حكم لهم بالخلود.
وفي البحر عن ابن عطية نقلا عن بعض ما هو بمعناه أيضا حيث قال : وأما قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) فقيل فيه : إنه على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام فهو على نحو قوله جل وعلا : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) [الفتح : ٢٧] استثناء في واجب ، وهذا الاستثناء في حكم الشرط كأنه قيل : إن شاء ربك فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع ، وممن ذهب إلى ذلك أيضا الفاضل ميرزا جان الشيرازي في تعليقاته على تفسير القاضي ونص على أنه من قبيل التعليق بالمحال حتى يثبت محالية المعلق ويكون كدعوى الشيء مع بينة ، وهو أحد الأوجه التي ذكرها السيد المرتضى في درره ، وتفسير الاستثناء الأول بالشرط أخرجه ابن مردويه عن جابر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما ذكر ذلك الجلال السيوطي في الدر المنثور ، ولعل النكتة في هذا الاستثناء على ما قيل : إرشاد العباد إلى تفويض الأمور إليه جل شأنه وإعلامهم بأنها منوطة بمشيئته جل وعلا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا حق لأحد عليه ولا يجب عليه شيء كما قال تبارك وتعالى : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ).
وذكر بعض الأفاضل أن فائدته دفع توهم كون الخلود أمرا واجبا عليه تعالى لا يمكن له سبحانه نقضه كما ذهب إليه المعتزلة حيث أخبر به جل وعلا مؤكدا ، والمراد ـ بالذين شقوا ـ على هذا الوجه الكفار فقط فإنهم الأحقاء بهذا الاسم على الحقيقة ـ وبالذين سعدوا ـ المؤمنون كافة مطيعهم وعاصيهم فيكون التقسيم في قوله سبحانه : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) للانفصال الحقيقي ولا ينافيه قوله تعالى : (فَفِي الْجَنَّةِ) لأنه يصدق بالدخول في الجملة.
وفي الكشف بعد نقل أن الاستثناء من باب (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ) فإن قلت : فقد حصل مغزى الزمخشري من خلود الفساق ، قلت : لا كذلك لأنهم داخلون في السعداء ، والآية تقتضي خلود السعيد وذلك بعد دخوله فيها لا محالة ، ولا تنفي كينونته في النار قبل دخوله في الجنة فإن اللفظ لا يقتضي أن يدخلوا ـ أعني السعداء ـ كلهم في الجنة معا كيف والقاطع يدل على دخولهم أولا فأولا على حسب مراتبهم انتهى فتأمل ، فإن الآية من المعضلات.
وإنما لم يضمر في (إِنَّ رَبَّكَ) إلخ كما هو الظاهر لتربية المهابة وزيادة التقرير ، واللام في (لِما) قيل: للتقوية أي فعال ما يريده سبحانه لا يتعاصى عليه شيء بوجه من الوجوه.
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) الكلام فيه ما علمت خلا أنه لم يذكر هاهنا أن لهم بهجة وسرورا كما ذكر في أهل النار (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) لأن المقام مقام التحذير والإنذار ، و (سُعِدُوا) بالبناء للمفعول قراءة حمزة والكسائي وحفص ونسبت إلى ابن مسعود وطلحة بن مصرف وابن وثاب والأعمش ، وقرأ جمهور السبعة «سعدوا» بالبناء للفاعل ، واختار ذلك على ابن سليمان ، وكان يقول : عجبا من الكسائي كيف قرأ «سعدوا» مع علمه بالعربية ، وهذا عجيب منه فإنه ما قرأ إلا ما صح عنده ولم يقرأ بالرأي ولم يتفرد بذلك ، وروي عنه أنه احتج لذلك بقولهم : مسعود ، وتعقب بأنه لا حجة فيه لاحتمال أنه كان مسعود فيه ، وذكر أن الفراء حكى أن هذيلا تقول : سعده الله تعالى بمعنى أسعده ، وقال الجوهري : سعد بالكسر فهو سعيد مثل