خصصت مجيئها كذلك ببعض التراكيب لا يضر شيئا فكم من شيء خص بتركيب دون ما أشبهه.
وقرأ الزهري ، وسليمان بن أرقم (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) بتشديد الميم والتنوين ولم يتعرضوا في النقل عنهما لتشديد أن ولا لتخفيفها ، وهي في هذه القراءة مصدر من قولهم : لممت الشيء إذا جمعته كما مرّ ونصبها على الحالية من ضمير المفعول في (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) عند أبي البقاء وضعفه.
وقال أبو علي : إنها صفة لكل ويقدر مضافا إلى نكرة ليصح وصفه بالنكرة ، وكان المصدر حينئذ بمعنى اسم المفعول ، وذكر الزمخشري في معنى الآية على هذه القراءة أنه وإن كلّا ملمومين بمعنى مجموعين كأنه قيل : وإن كلّا جميعا كقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠ ، ص : ٧٣] وجعل ذلك الطيبي منه ميلا إلى القول بالتأكيد.
وقال ابن جني : إنها منصوبة ـ بليوفينهم ـ على حد قولهم : قياما لأقومن ، والتقدير توفية جامعة لأعمالهم (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) وخبر (إِنَ) في ذلك جملة القسم وجوابه ، وروى أبو حاتم أن في مصحف أبي وإن من كل إلّا ليوفينهم وخرج على أن إن نافية ومن زائدة.
وقرأ الأعمش نحو ذلك إلّا أنه أسقط من وهو حرف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والوجه ظاهر ، قيل : وقد تضمنت هذه الجملة عدة مؤكدات من أن واللام وما إذا كانت زائدة والقسم ونون التأكيد وذلك للمبالغة في وعد الطائعين ووعيد العاصين (إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي أنه سبحانه بما يعمله كل فرد من المختلفين من الخير والشر عليم على أتم وجه بحيث لا يخفى عليه شيء من جلائله ودقائقه ، والجملة قيل : توكيد للوعد والوعيد فإنه سبحانه لما كان عالما بجميع المعلومات كان عالما بمقادير الطاعات والمعاصي وما يقتضيه كل فرد منها من الجزاء بمقتضى الحكمة وحينئذ تأتي توفية كل ذي حق حقه إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
وقرأ ابن هرمز «تعملون» على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) لما بين أمر المختلفين في التوحيد والنبوة ، وأطنب سبحانه في شرح الوعد والوعيد أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بالاستقامة مثل الاستقامة التي أمر بها وهذا يقتضي أمره صلىاللهعليهوسلم بوحي آخر ولو غير متلو كما قاله غير واحد ، والظاهر أن هذا أمر بالدوام على الاستقامة وهي لزوم المنهج المستقيم وهو المتوسط بين الإفراط والتفريط وهي كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق فتشمل العقائد والأعمال المشتركة بينه صلىاللهعليهوسلم وبين سائر المؤمنين والأمور الخاصة به عليه الصلاة والسلام من تبليغ الأحكام والقيام بوظائف النبوة وتحمل أعباء الرسالة وغير ذلك ، وقد قالوا : إن التوسط بين الإفراط والتفريط بحيث لا يكون ميل إلى أحد الجانبين قيد عرض شعرة مما لا يحصل إلّا بالافتقار إلى الله تعالى ونفي الحول والقوة بالكلية ، ومثلوا الأمر المتوسط بين ذينك الطرفين بخط يكون بين الشمس والظل ليس بشمس ولا ظل بل هو أمر فاصل بينهما ولعمري إن ذلك لدقيق ، ولهذا قالوا : لا يطيق الاستقامة إلّا من أيد بالمشاهدات القوية والأنوار السنية ثم عصم بالتشبث بالحق (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) [الإسراء : ٧٤] وجعل بعض العارفين الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف إشارة إلى هذا المنهج المتوسط ، ومما يدل على شدة هذا الأمر ما أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال: لما نزلت هذه الآية قال صلى الله تعالى عليه وسلم : «شمروا شمروا» وما رئي بعدها ضاحكا.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما نزلت على رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم آية أشد من هذه الآية ولا أشق ، واستدل بعض المفسرين على عسر الاستقامة بما شاع من قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم : «شيبتني