«فتمسكم» بكسر التاء على لغة تميم أيضا (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) من أنصار يمنعون العذاب عنكم ، والمراد نفي أن يكون لكل نصير ، والمقام قرينة على ذلك ، والجملة في موضع الحال من ضمير (فَتَمَسَّكُمُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) من جهته تعالى إذ قد سبق في حكمه تعالى أن يعذبكم بركونكم إليهم ولا يبقى عليكم ، و (ثُمَ) قيل : لاستبعاد نصره سبحانه إياهم وقد أوعدهم العذاب على ذلك ، وأوجبه لهم وتعقب بأن أثر الحرف إنما هو في مدخوله ومدخول (ثُمَ) عدم النصرة وليس بمستبعد ، وإنما المستبعد نصر الله تعالى لهم ، فالظاهر أنها للتراخي في الرتبة لأن عدم نصر الله أشد وأفظع من عدم نصرة غيره ، وأجيب بما لا يخلو عن تكلف ، وأيا ما كان فالمقام مقام الواو إلّا أنه عدل عنها لما ذكر.
وجوز القاضي أن تكون منزلة منزلة الفاء بمعنى الاستبعاد فإنه سبحانه لما بين أنه معذبهم وأن أحدا لا يقدر على نصرهم أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا ، ووجه ذلك بأنه كان الظاهر أن يؤتى بالفاء التفريعية المقارنة للنتائج إذ المعنى أن الله تعالى أوجب عليكم عقابه ولا مانع لكم منه فإذن أنتم لا تنصرون فعدل عنه إلى العطف ـ بثم ـ الاستبعادية إلى الوجه الذي ذكره ، واستبعاد الوقوع يقتضي النفي ، والعدم الحاصل الآن فهو مناسب لمعنى تسبب النفي ، ودفع بذلك ما قيل عليه : إن الداخل على النتائج هي الفاء السببية لا الاستبعادية ولا يخفى قوة الاعتراض ، وفرق بين وجهي الاستبعاد السابق والتنزيل المذكور بأن المنفي على الأول نصرة الله تعالى لهم ، وعلى الثاني مطلق النصرة (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أي المكتوبة ، ومعنى إقامتها أداؤها على تمامها.
وقيل : المداومة عليها ، وقيل : فعلها في أول وقتها (طَرَفَيِ النَّهارِ) أي أوله وآخره وانتصابه على الظرفية ـ لأقم ـ ويضعف كونه ظرفا للصلاة ووجه انتصابه على ذلك إضافته إلى الظرف (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) أي ساعات منه قريبة من النهار فإنه من أزلفه إذا قربه.
وقال الليث : هي طائفة من أول الليل ، وكذا قال ثعلب ، وقال أبو عبيدة ، والأخفش ، وابن قتيبة : هي مطلق ساعاته وآناؤه وكل ساعة زلفة ، وأنشدوا للعجاج :
ناج طواه الأين مما وجفا |
|
طي الليالي زلفا فزلفا |
سماوة الهلال حتى احقوقفا
وهو عطف على (طَرَفَيِ النَّهارِ) ، و (مِنَ اللَّيْلِ) في موضع الصفة له ، والمراد بصلاة الطرفين قيل : صلاة الصبح والعصر ، وروي ذلك عن الحسن ، وقتادة ، والضحاك ، واستظهر ذلك أبو حيان بناء على أن طرف الشيء يقتضي أن يكون من الشيء ، والتزم أن أول النهار من الفجر ، وقد يطلق طرف الشيء على الملاصق لأوله وآخره مجازا فيمكن اعتبار النهار من طلوع الشمس مع صحة ما ذكروه في صلاة الطرف الأول بجعل التثنية هنا مثلها في قولهم : القلم أحد اللسانين إلّا أنه قيل بشذوذ ذلك.
وروي عن ابن عباس ـ واختاره الطبري ـ أن المراد صلاة الصبح والمغرب فإن كان النهار من أول الفجر إلى غروب الشمس فالمغرب طرف مجازا وهو حقيقة طرف الليل ، وإن كان من طلوع الشمس إلى غروبها فالصبح كالمغرب طرف مجازي ، وقال مجاهد ، ومحمد بن كعب القرظي : الطرف الأول الصبح ، والثاني الظهر ، والعصر ، واختار ذلك ابن عطية ، وأنت تعلم أن في جعل الظهر من الطرف الثاني خفاء وإنما الظهر نصف النهار والنصف لا يسمى ظرفا إلّا بمجاز بعيد ، والمراد بصلاة الزلف عند الأكثر صلاة المغرب والعشاء.
وروى الحسن في ذلك خبرا مرفوعا ، وعن ابن عباس أنه فسر صلاة الزلف بصلاة العتمة وهي ثلث الليل الأول