بعد غيبوبة الشفق وقد تطلق على وقت صلاة العشاء الآخرة ، وأغرب من قال : صلاة الطرفين صلاة الظهر والعصر ، وصلاة الزلف صلاة المغرب ، والعشاء ، والصبح ، وقيل : معنى (زُلَفاً) قربا ، وحقه على هذا ـ كما في الكشاف ـ أن يعطف على الصلاة أي أقم الصلاة طرفي النهار وأقم زلفا من الليل أي صلوات تتقرب بها إلى الله عزوجل انتهى ، قيل : والمراد بها على هذا صلاة العشاء والتهجد وقد كان واجبا عليه عليه الصلاة والسلام ، أو العشاء ، والوتر على ما ذهب إليه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ، أو المجموع كما يقتضيه ظاهر الجمع ، وقد تفسر بصلاة المغرب والعشاء ـ واختاره البعض ـ وقد جاء إطلاق الجمع على الاثنين فلا حاجة إلى التزام أن ذلك باعتبار أن كل ركعة قربة فتحقق قرب فوق الثلاث فيما ذكر.
وقرأ طلحة ، وابن أبي إسحاق ، وأبو جعفر «زلفا» بضم اللام إما على أنه جمع زلفة أيضا ولكن ضمت عينه اتباعا لفائه. أو على أنه اسم مفرد كعنق ، أو جمع زليف بمعنى زلفة كرغيف ورغف ، وقرأ مجاهد ، وابن محيصن بإسكان اللام كبسر بالضم والسكون في بسرة ، وهو على هذا ـ على ما في البحر ـ اسم جنس ، وفي رواية عنهما أنهما قرءا ـ زلفى ـ كحبلى وهو بمعنى زلفة فإن تاء التأنيث وألفه قد يتعاقبان نحو قربى وقربة ، وجوز أن تكون هذه الألف بدلا من التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) أي يكفرنها ويذهبن المؤاخذة عليها وإلّا فنفس السيئات أعراض وجدت فانعدمت ، وقيل : يمحينها من صحائف الأعمال ، ويشهد له بعض الآثار ، وقيل : يمنعن من اقترافها كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥] وهو مع بعده في نفسه مخالف للمأثور عن الصحابة ، والتابعين رضي الله تعالى عنهم فلا ينبغي أن يعول عليه.
والظاهر أن المراد من الحسنات ما يعم الصلوات المفروضة وغيرها من الطاعات المفروضة وغيرها ، وقيل : المراد الفرائض فقط لرواية «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات ما بينهن» وفيه أنه قد صح من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : «إذا أمّن الإمام فأمّنوا فإن الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» وفي رواية تفرد بها يحيى بن نصير ـ وهو من الثقات ـ بزيادة «وما تأخر» وصح أن صيام يوم عرفة تكفر السنة الماضية والمستقبلة ، وأخرج أبو داود في السنن بإسناد حسن عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال : «من أكل طعاما ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن لبس ثوبا وقال : الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في تكفير أفعال ليست بمفروضة ذنوبا كثيرة ، وقيل : المراد بها الصلوات المفروضة لما في بعض طرق خبر سبب النزول من أن أبا اليسر من الأنصار قبل امرأة ثم ندم فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره بما فعل فقال عليه الصلاة والسلام : «أنتظر أمر ربي فلما صلى صلاة قال صلى الله تعالى عليه وسلم : نعم اذهب بها فإنها كفارة لما عملت» وروي هذا القول عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وابن المسيب ، والظاهر أن ذلك منهم اقتصار على بعض مهم من أفراد ذلك العام ، وسبب النزول لا يأبى العموم كما لا يخفى ، وفي رواية عن مجاهد أنها قول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم ، وفيه ما فيه ، والمراد بالسيئات عند الأكثرين الصغائر لأن الكبائر لا يكفرها على ما قالوا : إلّا التوبة ، واستدلوا لذلك بما رواه مسلم من رواية العلاء «الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر» واستشكل بأن الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر بنص (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : ٣١] فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ وأجاب البلقيني بأن ذلك غير وارد لأن المراد بالآية أن تجتنبوا في جميع العمر ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت ، والذي في