يشترطه إلّا من اشترطها ، ويدل عليه خبر أبي اليسر فإن الروايات متضافرة على أنه جاء نادما والندم توبة ، وأن إخباره صلى الله تعالى عليه وسلم له بأن صلاة العصر كفرت عنه ما فعل إنما وقع بعد ندمه لكن ظاهر إطلاق الحديث يقتضي أن التكفير كان بنفس الصلاة فإن التوبة بمجردها تجب ما قبلها فلو اشترطناها مع العبادات لم تكن العبادات مكفرة ، وقد ثبت أنها مكفرات فيسقط اعتبار التوبة معها انتهى ملخصا مع زيادة ، ولا يخفى أن هذا يحتاج إلى التزام القول بأن ندم أبي اليسر لم يكن توبة صحيحة وإلّا لكان التكفير به لأنه السابق ، وبعض التزم القول بكونه توبة صحيحة إلّا أنه توبة لم تقبل ولم تكفر الذنب ، وأنت تعلم أن في عدم تكفير التوبة الذنب مقالا ، والمنقول عن السبكي أنه قال : إن قبول التوبة عن الكفر مقطوع به تفضلا ، وفي القطع بقبول توبة العاصي قولان لأهل السنة ، والمختار عند إمام الحرمين أن تكفير التوبة للذنب مظنون ، وادعى النووي أنه الأصح ، وفي شرح البرهان : الصحيح عندنا القطع بالتكفير ، وقال الحليمي : لا يجب على الله تعالى قبول التوبة لكنه لما أخبر عن نفسه أنه يقبل التوبة عن عباده ولم يجز أن يخلف وعده علمنا أنه سبحانه وتعالى لا يرد التوبة الصحيحة فضلا منه تعالى ، ومثل هذا الخلاف في التكفير باجتناب الكبائر ونحوه هل هو قطعي أو ظني ، وفي كلام العلامة نجم الدين النسفي ، وصدر الشريعة ، وغيرهما أن العقاب على الصغائر جائز الوقوع سواء اجتنبت مرتكبها الكبائر أم لا لدخولها تحت قوله تعالى : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) [آل عمران : ١٢٩ ، المائدة : ١٨] ولقوله تعالى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩] والإحصاء إنما يكون للسؤال والمجازاة إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث ، وخالفت المعتزلة في ذلك فلم يجيزوا وقوع التعذيب إذا اجتنبت الكبائر واستدلوا بآية (إِنْ تَجْتَنِبُوا) إلخ ، ويجاب بأن المراد بالكبائر الكفر والجمع لتعدد أنواعه أو تعدد من اتصف به ، ومعنى الآية إن تجتنبوا الكفر نجعلكم صالحين لتكفير سيئاتكم ، ولا يخفى ما في استدلالهم من الوهن ، وجوابهم عن استدلال المعتزلة لعمري أوهن منه.
وذهب صاحب الذخائر إلى أن من الحسنات ما يكفر الصغائر والكبائر إذ قد صح في عدة أخبار من فعل كذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وفي بعضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ومتى حملت الحسنات في الآية على الاستغراق فالمناسب حمل السيئات عليه أيضا ، والتخصيص خلاف الظاهر وفضل الله تعالى واسع ، وإلى هذا مال ابن المنذر ، وحكاه ابن عبد البر عن بعض المعاصرين له وعني به فيما قيل : أبا محمد المحدث لكن ردّ عليه ، فقال بعضهم. يقول : إن الكبائر والصغائر تكفرها الطهارة والصلاة لظاهر الأحاديث وهو جهل بين وموافقة للمرجئة في قولهم ، ولو كان كما زعم لم يكن للأمر بالتوبة معنى ، وقد أجمع المسلمون على أنها فرض ، وقد صح أيضا من حديث أبي هريرة «الصلوات كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» انتهى.
وفيه أن دعوى أن ذلك جهل لا يخلو عن الإفراط إذ الفرق بين القول بعموم التكفير ومذهب المرجئة في غاية الوضوح ، ولو صح أن ذلك ذهاب إلى قولهم للزمه مثله بالنسبة إلى التوبة فإنه يسلم أنها تكفر الصغائر والكبائر وهي من جملة أعمال العبد فكما جاز أن يجعل الله سبحانه هذا العمل سببا لتكفير الجميع يجوز أن يجعل غيره من الأعمال كذلك ، وقوله : ولو كان كما زعم إلخ مردود لأنه لا يلزم من تكفير الذنوب الحاصلة عدم الأمر بالتوبة وكونها فرضا إذ تركها من الذنوب المتجددة التي لا يشملها التكفير السابق بفعل الوضوء مثلا ألا ترى أن التوبة من الصغائر واجبة على ما نقل عن الأشعري ، وحكى إمام الحرمين وتلميذه الأنصاري الإجماع عليه ومع ذلك فجميع الصغائر مكفرة بنص الشارع وإن لم يتب على ما سمعت من الخلاف ، وتحقيق ذلك أن التوبة واجبة في نفسها على الفور ومن أخرها تكرر عصيانه بتكرر الأزمنة كما صرح به الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، ولا يلزم من تكفير الله تعالى ذنوب عبده سقوط