ويقولون : يا سيدي ، ومولى ، و ـ الغلام ـ كثيرا ما يطلق على ما بين الحولين إلى البلوغ ، وقد يطلق على الرجل الكامل كما في قول ليلى الأخيلية في الحجاج بن يوسف الثقفي :
غلام إذا هز القناة سقاها
والظاهر أن التنوين فيه للتفخيم ، وحق له ذلك فقد كان عليه من أحسن الغلمان ، وذكر البغوي عنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنه قال : أعطي يوسف شطر الحسن.
وقال محمد بن إسحاق : ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن ، وحكى الثعلبي عن كعب الأخبار أنه قال : كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين مستوي الخلق أبيض اللون غليظ الساعدين والساقين خميص البطن صغير السرة وكان إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه وإن تكلم رأيت شعاع النور من ثناياه ولا يستطيع أحد وصفه وكان حسنه كضوء النهار عند الليل وكان يشبه آدم عليهالسلام يوم خلقه قبل أن يصيب الخطيئة ، ويحكى أن جوانب الجب بكت عليه حين خرج منها ، ولعله من باب بكت الدار لفقد فلان ، والظاهر أن قول الوارد (يا بُشْرى هذا غُلامٌ) كان عند رؤيته ، وقيل إنه حين وروده على أصحابه صاح بذاك (وَأَسَرُّوهُ) أي أخفاه الوارد وأصحابه عن بقية الرفقة حتى لا تراه فتطمع فيه ، وقيل : أخفوا أمره وكونه وجد في البئر ، وقالوا لسائر القافلة : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر ، وقيل : الضمير لإخوة يوسف ، وذلك أن بعضهم رجع ليتحقق أمره فرآه عند السيارة فأخبر إخوته فجاءوا إليهم فقالوا : هذا غلام أبق لنا فاشتروه منا فاشتروه وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه ، وفي رواية أنهم قالوا بالعبرانية : لا تنكر العبودية نقتلك فأقر بها واشتروه منهم ، وقيل : كان يهوذا يأتيه بالطعام فأتاه يوم أخرج فلم يجده في الجب ووجده عند الرفقة فأخبر إخوته فأتوهم فقالوا ما قالوا ، وروي كون الضمير للإخوة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قيل : وهو المناسب لإفراد (قالَ) وجمع ضمير ـ أسروا ـ وللوعيد الآتي قريبا إن شاء الله تعالى ، وليس فيه اختلال في النظم ، ولا يخفى أن الظاهر ما أشير إليه أولا ، ونصب قوله سبحانه : (بِضاعَةً) على الحال أي أخفوه حال كونه متاعا للتجارة ، وفي الفرائد أنه ضمن أسروه معنى جعلوه أي جعلوه بضاعة مسرين إياه فهو مفعول به.
وقال ابن الحاجب : يحتمل أن يكون مفعولا له أي لأجل التجارة وليس شرطه مفقودا لاتحاد فاعله وفاعل الفعل المعلل به إذ المعنى كتموه لأجل تحصيل المال به ، ولا يجوز أن يكون تمييزا وهو من ـ البضع ـ بمعنى القطع وكأن البضاعة إنما سميت بذلك لأنها تقطع من المال وتجعل للتجارة ، ومن ذلك البضع بالكسر لما بين الثلاث إلى العشرة أو لما فوق الخمس ودون العشرة ، والبضيعة للجزيرة المنقطعة عن البر ، واعتبر الراغب في البضاعة كونها قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة ولم يعتبر الكثير كونها وافرة (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) لم يخف عليه سبحانه أسرارهم ، وصرح غير واحد أن هذا وعيد لإخوة يوسف عليهالسلام على ما صنعوا بأبيهم وأخيهم وجعلهم إياه ، وهو عرضة للابتذال بالبيع والشراء (وَشَرَوْهُ) الضمير المرفوع إما للإخوة فشرى بمعنى باع ، وإما للسيارة فهو بمعنى اشترى كما في قوله :
وشريت بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامه |
وقوله :
ولو أن هذا الموت يقبل فدية |
|
شريت أبا زيد بما ملكت يدي |
وجوز أن يكون على هذا الوجه بمعنى باع بناء على أنهم باعوه لما التقطوه من بعضهم (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) أي نقص وهو مصدر أريد به اسم المفعول أي منقوص ، وجوز الراغب أن يكون بمعنى باخس أي ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا ،