وإياك والهم بنسبة تلك الشنيعة الى ذلك الجناب بعد أن كشف الله سبحانه عن بصر بصيرتك فرأيت برهان ربك بلا حجاب (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) قيل : خيانة السيد (وَالْفَحْشاءَ) الزنا لأنه مفرط القبح ، وقيل : (السُّوءَ) مقدمات الفحشاء من القبلة والنظر بشهوة. وقيل : هو الأمر السيّئ مطلقا فيدخل فيه الخيانة المذكورة وغيرها ، والكاف على ما قيل : في محل نصب ، والإشارة الى التثبيت اللازم للإراءة المدلول عليها بقوله سبحانه : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه (لِنَصْرِفَ) إلخ ، وقال ابن عطية : إن الكاف متعلقة بمضمر تقديره جرت أفعالنا وأقدارنا (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ) ، وقدر أبو البقاء نراعيه كذلك ، والحوفي أريناه البراهين كذلك ، وجوز الجميع كونه في موضع رفع فقيل : أي الأمر أو عصمته مثل ذلك لكن قال الحوفي : إن النصب أجود لمطالبة حروف الجر للأفعال أو معانيها ، واختار في البحر كون الإشارة الى الرؤية المفهومة من رأي أو الرأي المفهوم ، وقد جاء مصدر الرأي كالرؤية كما في قوله :
ورأى عيني الفتى أباكا |
|
يعطى الجزيل فعليك ذاكا |
والكاف في موضع نصب بما دل عليه قوله سبحانه : (لَوْ لا أَنْ رَأى) إلخ ، وهو أيضا متعلق (لِنَصْرِفَ) أي مثل الرؤية أو الرأي يرى براهيننا (لِنَصْرِفَ) إلخ ، وقيل (١) غير ذلك ، ومما لا ينبغي أن يلتفت إليه ما قيل : إن الجار والمجرور متعلق بهم ، وفي الكلام تقديم وتأخير وتقديره ولقد همت به وهم بها كذلك لو لا أن رأى برهان ربه لنصرف عنه إلخ ، ولا يخفى ما في التعبير بما في النظم الجليل دون لنصرفه عن السوء والفحشاء من الدلالة على رد من نسب إليه ما نسب والعياذ بالله تعالى.
وقرأ الأعمش ـ ليصرف ـ بياء الغيبة وإسناد الصرف إلى ضمير الرب سبحانه (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) تعليل لما سبق من مضمون الجملة بطريق التحقيق ، والمخلصون هم الذين أخلصهم الله تعالى واختارهم لطاعته بأن عصمهم عما هو قادح فيها ، والظاهر أن المراد الحكم عليه بأنه مختار لطاعته سبحانه ، ويحتمل على ما قيل : أن يكون المراد أنه من ذرية إبراهيم عليهالسلام الذين قال فيهم جلّ وعلا : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ) [ص : ٤٦].
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر المخلصين إذا كان فيه أل حيث وقع بكسر اللام وهم الذين أخلصوا دينهم لله تعالى ، ولا يخفى ما في التعبير بالجملة الاسمية من الدلالة على انتظامه عليهالسلام في سلك أولئك العباد الذين هم من أول الأمر لا أنه حدث له ذلك بعد أن لم يكن ، وفي هذا عند ذوي الألباب ما ينقطع معه عذر أولئك المتشبثين بأذيال هاتيك الأخبار التي ما أنزل الله تعالى بها من كتاب (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) متصل بقوله سبحانه : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) إلخ ، وقوله تعالى : (كَذلِكَ) إلخ اعتراض جيء به بين المعطوفين تقريرا لنزاهته عليهالسلام ، والمعنى لقد همت به وأبى هو واستبقا أي تسابقا إلى الباب على معنى قصد كل من يوسف عليهالسلام وامرأة العزيز سبق الآخر إليه فهو ليخرج وهي لتمنعه من الخروج ؛ وقيل : المراد من السبق في جانبها الإسراع إثره إلّا أنه عبر بذلك للمبالغة ، ووحد الباب هنا مع جمعه أولا لأن المراد الباب البراني الذي هو المخلص ؛ واستشكل بأنه كيف يستبقان إليه ودونه أبواب جوانية بناء على ما ذكروا من أن الأبواب كانت سبعة.
وأجيب بأنه روي عن كعب أن أقفال هاتيك الأبواب كانت تتناثر إذا قرب إليها يوسف عليهالسلام وتتفتح له؛
__________________
(١) ومما قيل : إن الكاف في موضع نصب ، والإشارة إلى الإراءة المدلول عليها بما تقدم أي مثل ذلك التبصير والتعريف عرفناه برهاننا فيما قبل ا ه منه.