وعندي أن الذي قاله ابن مالك أرجح ، مما قاله الشيخ ، وذلك أن الاثنين إذا وقعت بينهما خصومة عند حاكم فيقول المدعي للحاكم : لي على هذا كذا : فيقول المدعي عليه : هو يعلم أنه لا حق له علي ، فالضمير في هو إنما هو لحضور مدلوله حسا لا لقوله : لي كما هو المتبادر الى الأفهام ، وأيضا يرد على ما ذكره في ضمير (اسْتَأْجِرْهُ) أن موسى عليهالسلام لم يسبق له ذكر عند حضوره مع بنت شعيب عليهالسلام ، وقد قالت : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) وقصدها بالضمير الرجل الحاضر الذي بان لها من قوته وأمانته الأمر العظيم ، ثم إن من خاصم زوجته فقال للحاضرين من أهلها. أو من غيرهم : هي طالق تطلق زوجته لوجود ما قرره ابن مالك ، ولا يتمشى على ما قرره الشيخ كما لا يخفى ، وبالجملة إن التأويل الذي ذكره في الآيتين وإن سلم فيهما لكن لا يكاد يتمشى معه في غيرهما هذا فليفهم (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) ذهب جمع إلى أنه كان ابن خالها (١) ، وكان طفلا في المهد (٢) أنطقه الله تعالى ببراءته عليهالسلام ، فقد ورد عنه صلى الله تعالى عليه وسلم «تكلم أربعة في المهد وهم صغار : ابن ماشطة ابنة فرعون ، وشاهد يوسف عليهالسلام ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم عليهماالسلام» وتعقب ذلك الطيبي بقوله : يرده دلالة الحصر في حديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج ، وصبي كان يرضع من أمه فمر راكب حسن الهيئة فقالت : أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الصبي الثدي ، وقال اللهم لا تجعلني مثله» ا ه ، ورده الجلال السيوطي فقال : هذا منه على جاري عادته من عدم الاطلاع على طرق الأحاديث ، والحديث المتقدم صحيح أخرجه أحمد في مسنده ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه وصححه من حديث ابن عباس ، ورواه الحاكم أيضا من حديث أبي هريرة ، وقال صحيح على شرط الشيخين ، وفي حديث الصحيحين المشار اليه آنفا زيادة على الأربعة «الصبي الذي كان يرضع من أمه فمر راكب» إلخ فصاروا خمسة وهم أكثر من ذلك ، ففي صحيح مسلم تكلم الطفل في قصة أصحاب الأخدود ، وقد جمعت من تكلم في المهد فبلغوا أحد عشر ، ونظمتها فقلت :
تكلم في المهد النبي محمد |
|
ويحيى وعيسى والخليل ومريم |
ومبري جريج ثم شاهد يوسف |
|
وطفل لذي الأخدود يرويه مسلم |
وطفل عليه مر بالأمة التي |
|
يقال لها تزني ولا تتكلم |
وماشطة في عهد فرعون طفلها |
|
وفي زمن الهادي المبارك يختم |
ا ه ، وفيه أنه لم يرد الطيبي الطعن على الحديث الذي ذكر كما توهم ، وإنما أراد أن بين الحديث الدال على الخصر وغيره تعارضا يحتاج الى التوفيق ؛ وفي الكشف بعد ذكره حديث الأربعة ، وما تعقب به مما تقدم عن الطيبي أنه نقل الزمخشري في سورة البروج خامسا فإن ثبتت هذه أيضا فالوجه أن يجعل في المهد قيدا وتأكيدا لكونه في مبادئ الصبا ، وفي هذه الرواية يحمل على الإطلاق أي سواء كان في المبادئ أو بعيدها بحيث يكون تكلمه من الخوارق ، ولا يخفى أنه توفيق بعيد.
وقيل : كان ابن عمها الذي كان مع زوجها لدى الباب وكان رجلا ذا لحية ولا ينافي هذا قول قتادة : إنه كان رجلا حكيما من أهلها ذا رأي يأخذ الملك برأيه ويستشيره ، وجوز أن يكون بعض أهلها وكان معهما في الدار بحيث
__________________
(١) وفي بعض الآثار أنه ابن أخت لها وكان عمره إذ ذاك ثلاثة أشهر ا ه منه.
(٢) ولم ترتض ذلك الجبائي لوجوه ذكرها الإمام ، ولا يخفى ما فيها ا ه منه.