عاقبة سوء من لديه سبحانه إذا لم يغفرها ، واستدل على أنهم يثبتون الصانع أيضا بأن يوسف عليهالسلام قال لهم : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف : ٣٩] ، والظاهر أن قائل ذلك هو العزيز ، ولعله كما قيل : كان رجلا حليما ، وروي ذلك عن الحسن ، ولذا اكتفى بهذا القدر من مؤاخذتها ، وروي أنه كان قليل الغيرة وهو لطف من الله تعالى بيوسف عليهالسلام ، وفي البحر أن تربة إقليم قطفير اقتضت ذلك ، وأين هذا مما جرى لبعض ملوك المغرب أنه كان مع ندمائه المختصين به في مجلس أنس وجارية تغنيهم من وراء ستر فاستعاد بعض خلصائه بيتين من الجارية كانت قد غنت بهما فما لبث أن جيء برأس الجارية مقطوعا في طست ، وقال له الملك : استعد البيتين من هذا الرأس فسقط في يد ذلك المستعيد ومرض مدة حياة الملك (وَقالَ نِسْوَةٌ) المشهور ـ وإليه ذهب أبو حيان ـ أنه جمع تكسير للقلة كصبية ، وغلمة ، وليس له واحد من لفظه بل من معناه وهو امرأة.
وزعم ابن السراج أنه اسم جمع ، وعلى كل فتأنيثه غير حقيقي ولا التفات إلى كون ذلك المفرد مؤنثا حقيقا لأنه مع طروّ ما عارض ذلك ليس كسائر المفردات ولذا لم يؤنث فعله ، وفي نونه لغتان : الكسر وهي المشهورة والضم وبه قرأ المفضل ، والأعمش ، والسلمي كما قال القرطبي فلا عبرة بمن أنكر ذلك ، وهو إذ ذاك اسم جمع بلا خلاف ، ويكسر للكثرة على نساء ، ونسوان ، وكنّ فيما روي عن مقاتل خمسا : امرأة الخباز ، وامرأة الساقي ، وامرأة البواب ، وامرأة السجان ، وامرأة صاحب الدواب.
وروى الكلبي أنهن كنّ أربعا بإسقاط امرأة البواب (فِي الْمَدِينَةِ) أريد بها مصر ، والجار والمجرور في موضع الصفة ـ لنسوة ـ على ما استظهره بعضهم ، ووصفن بذلك لأن إغاظة كلامهن بهذا الاعتبار لاتصافهن بما يقوي جانب الصدق أكثر فإن كلام البدويات لبعدهن عن مظان الاجتماع والاطلاع على حقيقة أحوال الحضريات القصريات لا يلتفت إلى كلامهن فلا يغيظ تلك الإغاظة ، والكثير على اختيار تعلقه ـ بقال ـ ومعنى كون قولهن في المدينة إشاعته وإفشاؤه فيها ، وتعقب بأن ذلك خلاف الظاهر (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) هو في الأصل الذي يقهر ولا يقهر كأنه مأخوذ من عز أي حصل في عزاز وهي الأرض الصلبة التي يصعب وطؤها ويطلق على الملك ، ولعلهم كانوا يطلقونه إذ ذاك فيما بينهم على كل من ولاه الملك على بعض مخصوص من الولايات التي لها شأن فكان من خواصه ذوي القدر الرفيع والمحل المنيع ، وهو بهذا المعنى مراد هنا لأنه أريد به قطفير وهو في المشهور كما علمت إنما كان على خزائن الملك ـ وكان الملك الريان بن الوليد ـ وقيل : المراد به الملك ، وكان قطفير ملك مصر ، واسكندرية ، وإضافتهن لها إليه بهذا العنوان دون أن يصرحن باسمها او اسمه ليظهر كونها من ذوات الأخطار فيكون عونا على إشاعة الخبر بحكم أن النفوس الى سماع أخبار ذوي الأخطار أميل ، وقيل ـ وهو الأولى ـ إن ذاك لقصد المبالغة في لومها بقولهن (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) أي تطلب مواقعته إياها وتتمحل في ذلك ، وإيثارهن صيغة للدلالة على دوام المراودة كأنها صارت سجية لها ، والفتى من الناس الطري من الشبان ، وأصله فتى بالياء لقولهم في التثنية ـ وهي ترد الأشياء الى أصولها ـ فتيان ، فالفتوة على هذا شاذ ، وجمعه فتية ، وفتيان ، قيل : إنه يائي وواوي ككنوت وكنيت ، وله نظائر كثيرة ، ويطلق على المملوك والخادم لما أن جل الخدمة شبان.
وفي الحديث «لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي» وأطلق على يوسف عليهالسلام هنا لأنه كان يخدمها ، وقيل : لأن زوجها وهبه لها فهو مملوكها بزعم النسوة ، وتعبيرهن عنه عليهالسلام بذلك مظانا إليها لا الى العزيز لإبانة ما بينهما من التباين البين الناشئ عن الخادمية والمخدومية أو المالكية والمملوكية ؛ وكل ذلك لتربية ما مر من المبالغة في اللوم فإن من لا زوج لها من النساء أو لها زوج دنيء قد تعذر في مراودة الأخدان لا سيما إذا كان