وقرأ ابن عباس ، وابن عمر ، ومجاهد ، وقتادة ، وآخرون (١) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف ، وجاء ذلك عن ابن هرمز أيضا ، وهو الأترج ـ عند الأصمعي ، وجماعة ـ والواحد متكة ، وأنشد :
فأهدت متكة لبني أبيها |
|
تخب بها العثمثمة الوقاح |
وقيل : هو اسم يعم جميع ما يقطع بالسكين ـ كالأترج ، وغيره ـ من الفواكه ، وأنشد :
نشرب الإثم بالصواع جهارا |
|
ونرى المتك بيننا مستعارا |
وهو من متك الشيء بمعنى بتكه أي قطعه ، وعن الخليل تفسير المتك مضموم الميم بالعسل ، وعن أبي عمرو تفسيره بالشراب الخالص ، وحكى الكسائي تثليث ميمه ، وفسره بالفالوذج ، وكذا حكى التثليث المفضل لكن فسره بالزماورد ، وذكر أنه بالضم المائدة أو الخمر في لغة كندة ، وبالفتح قرأ عبد الله ، ومعاذ رضي الله تعالى عنهما ، وفي الآية على سائر القراءات حذف أي فجئن وجلسن (وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً).
وقال بعض المحققين : لا يبعد أن تسمى هذه الواو فصيحة ، وإنما أعطت كل واحدة ذلك لتستعمله في قطع ما يعهد قطعه مما قدم بين أيديهن وقرب إليهن ، وغرضها من ذلك ما سيقع من تقطيع أيديهن لتبكتهنّ بالحجة.
وقيل : غرضها ذاك والتهويل على يوسف عليهالسلام من مكرها إذا أخرج على أربعين نسوة مجتمعات في أيديهن الخناجر توهمه أنهن يثبن عليه فيكون خائفا من مكرها دائما فلعله يجيبها إلى مرادها ، والسكين مذكر عند السجستاني قال : وسألت أبا زيد الأنصاري ، والأصمعي ، وغيرهم ممن أدركناه فكلهم يذكره وينكر التأنيث فيه ، وعن الفراء أنه يذكر ويؤنث ، وذلك حكي عن اللحياني ، ويعقوب ، ومنع بعضهم أن يقال : سكينة ، وأنشد عن الكسائي ما يخالف ذلك وهو قوله :
الذئب سكينته في شدقه |
|
ثم قرابا نصلها في حلقه |
(وَقالَتِ) ليوسف عليهالسلام وهن مشغولات بمعالجة السكاكين وإعمالها فيما بأيديهن ، والعطف بالواو ربما يشير إلى أن قوله : (اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) أي ابرز لهن لم يكن عقيب ترتيب أمورهنّ ليتم غرضها بهن.
والظاهر أنها لم تأمره بالخروج إلّا لمجرد أن يرينه فيحصل مرامها ، وقيل : أمرته بالخروج عليهن للخدمة أو للسلام ، وقد أضمرت مع ذلك ما أضمرت يحكى أنها ألبسته ثيابا بيضا في ذلك اليوم لأن الجميل أحسن ما يكون في البياض (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ) عطف على مقدر يستدعيه الأمر بالخروج وينسحب عليه الكلام أي فخرج عليهن فرأينه ، وإنما حذف على ما قيل : تحقيقا لمفاجأة رؤيتهن كأنها تفوت عند ذكر خروجه عليهن (٢) ، وفيه إيذان بسرعة امتثاله عليهالسلام بأمرها فيما لا يشاهد مضرته من الأفاعيل ، ونظير هذا آت كما مر آنفا (أَكْبَرْنَهُ) أي أعظمنه ودهشن برؤية جماله الفائق الرائع الرائق ، فإن فضل جماله على جمال كل جميل كان كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
وأخرج ابن جرير ، وغيره عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : رأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر ، وحكي أنه عليهالسلام كان إذا سار في أزقة مصر تلألأ وجهه على الجدران كما يرى نور الشمس ، وجاء عن الحسن أنه أعطي ثلث الحسن ، وفي رواية عن أنس مرفوعا أنه عليهالسلام أعطي هو وأمه شطر
__________________
(١) منهم الضحاك والجحدري والكلبي وأبان ا ه منه.
(٢) كما حذف لتحقيق السرعة في قوله تعالى : فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ ا ه منه.