الحسن (١) وتقدم خبر أنه عليهالسلام كان يشبه آدم عليهالسلام يوم خلقه ربه ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى أكبرن حضن ، ومن ذلك قوله :
يأتي النساء على أطهارهن ولا |
|
يأتي النساء إذا أكبرن إكبارا |
وكأنه إنما سمي الحيض إكبارا لكون البلوغ يعرف به فكأنه يدخل الصغار سن الكبر فيكون في الأصل كناية مجازا ، والهاء على هذا إما ضمير المصدر فكأنه قيل : أكبرن إكبارا ، وإما ضمير يوسف عليهالسلام على إسقاط الجار أي حضن لأجله من شدّة شبقهن ، والمرأة كما زعم الواحدي إذا اشتدّ شبقها حاضت ومن هنا أخذ المتنبي قوله :
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع |
|
إذا لحت حاضت في الخدور العوائق |
وقيل : إن الهاء للسكت ، ورد بأنها لا تحرك ولا تثبت في الوصل ، وإجراء الوصل مجرى الوقف وتحريكها تشبيها لها بالضمير كما في قوله :
وأحر قلباه ممن قلبه شبم
على تسليم صحته ضعيف في العربية واعترض في الكشف التخريجين الأولين فقال : إن نزع الخافض ضعيف لأنه إنما يجري في الظروف والصفات والصلات ، وذلك لدلالة الفعل على مكان الحذف ، وأما في مثل هذا فلا ، والمصدر ليس من مجازه إذ ليس المقام للتأكيد ، وزعم أن الوجه هو الأخير ، وكل ما ذكره في حيز المنع كما يخفى.
وأنكر أبو عبيدة مجيء أكبرن بمعنى حضن ، وقال : لا نعرف ذلك في اللغة ، والبيت مصنوع مختلق لا يعرفه العلماء بالشعر ، ونقل مثل ذلك عن الطبري ، وابن عطية ، وغير واحد من المحققين ، ورواية ذلك عن ابن عباس إنما أخرجها ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد ، وهو ـ وإن روى ذلك عن أبيه علي عن أبيه ابن عباس ـ لا يعول عليه فقد قالوا : إنه عليه الرحمة ليس من رواة العلم.
وعن الكميت الشاعر تفسير أكبرن بأمنين ، ولعل الكلام في ذلك كالكلام فيما تقدم تخريجا وقبولا ، وأنا لا أرى الكميت من خيل هذا الميدان وفرسان ذلك الشان (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) أي جرحنها بما في أيديهن من السكاكين لفرط دهشتهن وخروج حركات جوارحهن عن منهاج الاختيار حتى لم يعلمن بما عملن ولم يشعرن بمألم ما نالهن ، وهذا كما تقول : كنت أقطع اللحم فقطعت يدي ، وهو معنى حقيقي للتقطيع عند بعض.
وفي الكشف إنه معنى مجازي على الأصح ، والتضعيف للتكثير إما بالنسبة لكثرة القاطعات ، وإما بالنسبة لكثرة القطع في يد كل واحدة منهن.
وأخرج ابن المنذر ، وغيره عن مجاهد أنه فسر التقطيع بالإبانة ، والمعنى الأول أسرع تبادرا إلى الذهن ، وحمل الأيدي على الجوارح المعلومة مما لا يكاد يفهم خلافه ، ومن العجيب ما روي عن عكرمة من أن المراد بها الأكمام ، وأظن أن منشأ هذا محض استبعاد وقوع التقطيع على الأيدي بالمعنى المتبادر ، ولعمري لو عرض ما قاله على أدنى الأفهام لاستبعدته (وَقُلْنَ) تنزيها لله سبحانه عن صفات التقصير والعجز وتعجبا من قدرته جلّ وعلا على مثل ذلك الصنع البديع (حاشَ لِلَّهِ) أصله حاشا الله بالألف كما قرأ أبو عمرو في الدرج فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفا ، وهو
__________________
(١) قيل : إنه عليهالسلام ورث الجمال من جدته سارة ا ه منه.