مخالفة لمقتضى المقام ، نعم إنها مخالفة لرسم المصحف لأنه لم يكتب ذلك بالياء فيه.
(قالَتْ فَذلِكُنَ) الفاء فصيحة والخطاب للنسوة والإشارة ـ حسبما يقتضيه الظاهر ـ إلى يوسف عليهالسلام بالعنوان الذي وصفته به الآن من الخروج في الحسن والكمال عن المراتب البشرية ، والاقتصار على الملكية أو بعنوان ما ذكر مع الأخبار وتقطيع الأيدي بسببه أيضا ، فاسم الإشارة مبتدأ والموصول خبره ، والمعنى إن كان الأمر كما قلتن فذلكن الملك الكريم الخارج في الحسن عن المراتب البشرية ، أو الذي قطعتن أيديكن بسببه وأكبرتنه ووصفتنه بما وصفتنه هو (الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي عيرتنني في الافتنان فيه أو بالعنوان الذي وصفنه به فيما سبق بقولهن : امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ، فاسم الإشارة خبر لمبتدإ محذوف دخلت الفاء عليه بعد حذفه ، والموصول صفة اسم الإشارة أي فهو ذلكن العبد الكنعاني الذي صورتن في أنفسكن وقلتن فيه وفيّ ما قلتن ، فالآن قد علمتن من هو وما قولكن فينا ، وقيل (١) : أرادت هذا ذلك العبد الكنعاني الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتنني فيه على معنى أنكن لم تصورنه بحق صورته ولو صورتنه بما عاينتن لعذرتنني في الافتتان به ، والإشارة بما يشار به إلى البعيد مع قرب المشار إليه وحضوره قيل : رفعا لمنزلته في الحسن واستبعادا لمحله فيه ، وإشارة إلى أنه لغرابته بعيد أن يوجد مثله.
وقيل : إن يوسف عليهالسلام كان في وقت اللوم غير حاضر وهو عند هذا الكلام كان حاضرا فإن جعلت الإشارة إليه باعتبار الزمان الأول كانت على أصلها ، وإن لوحظ الثاني كان قريبا ، وكانت الإشارة بما ذكر لتنزيله لعلو منزلته منزلة البعيد ، واحتمال أنه عليهالسلام أبعد عنهن وقت هذا الكلام لئلا يزددن دهشة وفتنة ولذا أشير إليه بذلك بعيد.
وجوز ابن عطية كون الإشارة إلى حب يوسف عليهالسلام ، وضمير (فِيهِ) عائد إليه ، وجعل الإشارة على هذا إلى غائب على بابها ويبعده على ما فيه (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) وهو إباحة منها ببقية سرها بعد أن أقامت عليهن الحجة وأوضحت لديهن عذرها وقد أصابهن من قبله ما أصابها (٢) أي والله لقد راودته حسبما قلتن وسمعتن (فَاسْتَعْصَمَ) قال ابن عطية : أي طلب العصمة وتمسك بها وعصاني.
وفي الكشاف أن الاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد كأنه في عصمة وهو مجتهد في الاستزادة منها ، ونحوه استمسك واستوسع الفتق واستجمع الرأي واستفحل الخطب ا ه.
وفي البحر والذي ذكره الصرفيون في «استعصم» أنه موافق لاعتصم ، وأما استمسك واستوسع واستجمع فاستغفل فيه أيضا موافقة لافتعل ، والمعنى امتسك واتسع واجتمع ، وأما استفحل فاستفعل فيه موافقة لتفعل أي تفحل نحو استكبر وتكبر ، فالمعنى فامتنع عما أرادت منه ؛ وبالامتناع فسرت العصمة على إرادة الطلب لأنه هو معناها لغة ، قيل : وعنت بذلك فراره عليهالسلام منها فإنه امتنع منها أولا بالمقال ثم لما لم يفده طلب ما يمنعه منها بالفرار ، وليس المراد بالعصمة ما أودعه الله تعالى في بعض أنبيائه عليهمالسلام مما يمنع عن الميل للمعاصي فإنه معنى عرفي لم يكن قبل بل لو كان لم يكن مرادا كما لا يخفى ، وتأكيد الجملة بالقسم مع أن مضمونها من مراودتها له عن نفسه مما تحدث به النسوة لإظهار ابتهاجها بذلك.
__________________
(١) تعقبه المولى أبو السعود بأنه لا يلائم المقام وبين ذلك بما فيه تأمل ا ه منه.
(٢) وكأنها عملت مما قيل :
لا تخف ما صنعت بك الأشواق |
|
واشرح هواك فكلنا عشاق |