العموم ، ويجوز أن يكون المعنى شيئا من الإشراك قليلا كان أو كثيرا فيراد من (شَيْءٍ) المصدر وأمر العموم بحاله ، ويلزم من عموم ذلك عموم المتعلقات (ذلِكَ) أي التوحيد المدلول عليه بنفي صحة الشرك (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) أي ناشئ من تأييده لنا بالنبوة والوحي بأقسامه ، والمراد أنه فضل علينا بالذات (وَعَلَى النَّاسِ) بواسطتنا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) أي لا يوحدون ، وحيث عبر عن ذلك بذلك العنوان عبر التوحيد الذي يوجبه بالشكر لأنه مع كونه من آثار ما ذكر من التأييد شكر لله عزوجل ، ووضع الظاهر موضع الضمير الراجع الى الناس لزيادة التوضيح والبيان ولقطع توهم رجوعه إلى مجموع الناس وما كنى عنه ـ بنا ـ الموهم لعدم اختصاص غير الشاكر بالناس ، وفيه من الفساد ما فيه ، وجوز أن يكون المعنى ذلك التوحيد ناشئ من فضل الله تعالى علينا حيث نصب لنا أدلة ننظر فيها ونستدل بها على الحق ، وقد نصب مثل تلك الأدلة لسائر الناس أيضا من غير تفاوت ولكن أكثرهم لا ينظرون ولا يستدلون بها اتباعا لأهوائهم فيبقون كافرين غير شاكرين ، والفضل على هذا عقلي وعلى الأول سمعي ، وجوز المولى أبو السعود أن يقال : المعنى ذلك التوحيد من فضل الله تعالى علينا حيث أعطانا عقولا ومشاعر نستعملها في دلائل التوحيد التي مهدها في الأنفس والآفاق ، وقد أعطى سائر الناس أيضا مثلها ولكن أكثرهم لا يشكرون أي لا يصرفون تلك القوى والمشاعر الى ما خلقت هي له ولا يستعملونها فيما ذكر من أدلة التوحيد الآفاقية والأنفسية والعقلية والنقلية انتهى ، ولك أن تقول : يجوز أن تكون الإشارة إلى ما أشير إليه ـ بذلكما ـ ويراد منه ما يفهم مما قبل من علمه بتأويل الرؤيا ، (مِنْ) في قوله (مِنْ فَضْلِ اللهِ) تبعيضية ، ويكون قد أخبر عنه أولا بأنه مما علمه إياه ربه وثانيا بأنه بعض فضل الله تعالى عليه وعلى آبائه بالذات وعلى الناس بواسطتهم لأنهم يعبرون لهم رؤياهم فيكشفون لهم ما أبهم عليهم ويزيلون عنهم ما أشغل أذهانهم مع ما في ذلك من النفع الذي لا ينكره إلّا نائم أو متناوم ، ومن وقف على ما ترتب على تعبير رؤيا الملك من النفع الخاص والعام لم يشك في أن علم التعبير من فضل الله تعالى على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون فضل الله تعالى مطلقا أو فضله عليهم بوجود من يرجعون إليه في تعبير رؤياهم ، ويكون ذلك نظير قولك لمن سألك عن زيد : ذلك أخي ذلك حبيبي ، ولكنه وسط هاهنا ما وسط وتفنن في التعبير فأتى باسم الإشارة أولا مقرونا بخطابهما ولم يأت به ثانيا كذلك وأتى بالرب مضافا إلى ضميره أولا وبالاسم الجليل ثانيا ، ويجوز أن يكون المشار إليه في الموضعين الإخبار بالمغيبات مطلقا ، والكلام في سائر الآية عليه لا أظنه مشكلا ، وعلى الوجهين لا ينافي تعليل نيل تلك الكرامة ـ بتركه ملة الكفرة واتباعه ملة آبائه الكرام ـ الإخبار بأن ذلك من فضل الله تعالى عليه وعلى من معه كما لا يخفى ، نعم إن حمل الإشارة على ما ذكر وتوجيه الآية عليه بما وجهت لا يخلو عن بعد.
ومن الناس من جعل الإشارة إلى النبوة وفيه ما فيه أيضا ، هذا وأوجب الإمام كون المراد في قوله : (لا يَشْكُرُونَ) لا يشكرون الله تعالى على نعمة الإيمان ، ثم قال : وحكي أن واحدا من أهل السنة دخل على بشر بن المعتمر فقال : هل تشكر الله تعالى على الإيمان أم لا؟ فإن قلت : لا فقد خالفت الإجماع ، وإن شكرته فكيف تشكره على ما ليس فعلا له؟! فقال بشر : إنا نشكره على أن أعطانا القدرة والعقل والآلة ، وأما أن نشكره على الإيمان مع أنه ليس فعلا له فذلك باطل ، وصعب الكلام على بشر فدخل عليهم ثمامة بن الأشرس ، فقال : إنا لا نشكر الله تعالى على الإيمان بل الله تعالى يشكره علينا كما قال سبحانه : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء : ١٩] فقال بشر : لما صعب الكلام سهل ، وتعقب ذلك عليه الرحمة بأن الذي التزمه ثمامة باطل وهو على طرف الثمام بنص هذه الآية لأنه سبحانه بين فيها أن عدم الإشراك من فضل الله تعالى ، ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون هذه النعمة ، وقد ذكر سبحانه ذلك على سبيل الذم فدل على أنه يجب على مؤمن أن يشكر الله تعالى على الإيمان لئلا يدخل في الذم وحينئذ تقوى الحجة وتكمل الدلالة اه.