شرح المفتاح وهو مخالف لما ذكروه هنا فتأمله ، ولعل ما ذكر بعد تسليمه إنما هو في جمع القلة الذي معه جمع كثرة كما ذكره في المثال لا في ذلك وجمع القلة الذي ليس معه جمع كثرة كما هنا ، فإنا لم نجد في كتب اللغة جمعا لمفرد هذا الجمع غير هذا الجمع ، وقد ذكر غير واحد أن جمع القلة إذا لم يوجد معه جمع كثرة يستعمل استعمال جمع الكثرة ، ثم لا يخفى حسن موقع الأضغاث مع السنابل ، فيا لله در شأن التنزيل ما أبدع رياض بلاغته.
(وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ) أي المنامات الباطلة (بِعالِمِينَ) لأنها لا تأويل لها وإنما التأويل للمنامات الصادقة ، وهذا إما لشيوع الأحلام في أباطيلها وإما لكون اللام للعهد والمعهود الأضغاث منها ، والكلام وارد على أسلوب. (*) على لاحب لا يهتدي بمناره (*) وهو إشارة إلى كبرى قياس ساقوه للعذر عن جهلهم كأنهم قالوا هذه رؤيا باطلة وكل رؤيا كذلك لا نعلم تأويلها أي لا تأويل لها حتى نعلمه ينتج هذه رؤيا لا تأويل لها.
وجوز أن يكون المراد من الأحلام الرؤى (١) مطلقا ، وأل فيه للجنس ، والكلام اعتراف منهم بقصور علمهم وأنهم ليسوا بنحارير في تأويل الرؤى مع أن لها تأويلا ، واختاره ابن المنير وادعى أنه الظاهر (٢) ، وأن قول الملك لهم أولا (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) دليل على أنهم لم يكونوا في علمه عالمين بها لأنه أتى بكلمة الشك فجاء اعترافهم بالقصور مطابقا لشك الملك الذي أخرجه مخرج استفهامهم عن كونهم عالمين ، وأن قول الفتى : (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) إلى قوله : (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) دليل على ذلك أيضا.
وذكر بعض المحققين أنه يشعر به عدولهم عما وقع في كلام الملك من العبارة المعبرة عن مجرد الانتقال من الدال إلى المدلول حيث لم يقولوا بتعبير الأحلام ، أو عبارتها إلى التأويل المنبئ عن التصرف ، والتكلف في ذلك لما بين الآئل والمآل من البعد ، واعترض بأنه على هذا يبقى قولهم : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) ضائعا إذ لا دخل له في العذر ، وأجيب بأنه يمكن أن يكون المقصود منه إزالة خوف الملك من تلك الرؤيا فلا يبقى ضائعا.
وقال صاحب الكشف : إن وجه ذلك أن يجعل الأول جوابا مستقلا ، والثاني كذلك أي هاهنا أمران : أحدهما من جانب الرائي ، والثاني من جانب المعبر ، ووجه تقديم الظرف على عامله إنا أصحاب الآراء والتدابير وعلمنا بذلك رصين لا بتأويل الرؤى ، ووجهه على الأول ظاهر ، وادعى أن المقام يطابقه ، ووروده على ذلك الأسلوب مقوله لا موهن خلافا لما في الانتصاب ، ويقوى عند اختيار الوجه الثاني إذا كان الخطاب لجلسائه وأهل مشورته من أهل الحل والعقد لأن الأغلب على أمثالهم الجهل بمثل هذا العلم الذي لا يعلمه إلّا أفراد من الناس (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما) أي صاحبي يوسف عليهالسلام وهو الشرابي (وَادَّكَرَ) بالدال غير المعجمة عند الجمهور ، وأصله اذتكر أبدلت التاء دالا وأدغمت الدال فيها.
وقرأ الحسن ـ اذكر ـ بابدال التاء ذالا معجمة وإدغام الذال المعجمة فيها ، والقراءة الأولى أفصح ، والمعنى على كليهما تذكر ما سبق له مع يوسف عليهالسلام (بَعْدَ أُمَّةٍ) أي طائفة من الزمان ومدة طويلة.
__________________
(١) هي جمع رؤيا.
(٢) وكذا ادعى أبو حيان في البحر ا ه منه.