وقرأ الأشهب العقيلي «إمة» بكسر الهمزة وتشديد الميم أي نعمة عليه بعد نعمة ، والمراد بذلك خلاصه من القتل والسجن وإنعام ملكه عليه ، وعلى هذا جاء قوله (١) :
ألا لا أرى إمة أصبحت به |
|
فتتركه الأيام وهي كما هي |
وقال ابن عطية : المراد به نعمة أنعم الله تعالى بها على يوسف عليهالسلام وهي تقريب إطلاقه ولا يخفى بعده ، وقرأ ابن عباس وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم ـ وأمة (٢) ـ وأمه بفتح الهمزة والميم المخففة وهاء منونة من أمه يأمه أمها إذا نسي ، وجاء في المصدر ـ أمه ـ بسكون الميم أيضا فقد روي عن مجاهد وعكرمة وشبيل بن عزرة الضبعي أنهم قرءوا بذلك ولا عبرة بمن أنكر ، والجملة اعتراض بين القول والمقول ، وجوز أن تكون حالا من الموصول أو من ضميره في الصلة ، ويحتاج ذلك إلى تقدير قد على المشهور ، وقيل : معطوفة على نجا وليس بشيء ـ كما قال بعض المحققين ـ لأن حق كل من الصلة والصفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصول والموصوف عند المخاطب كما عند المتكلم ، ومن هنا قيل : الأوصاف قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها أوصاف ، وأنت تعلم أن تذكره بعد أمة إنما علم بهذه الجملة فلا معنى لنظمه مع نجاته المعلومة من قبل في سلك الصلة (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) أي أخبركم بتأويل ذلك الذي خفي أمره بالتلقي ممن عنده علمه لا من تلقاء نفسي ولذلك لم يقل أفتيكم في ذلك ، وعقبه بقوله : (فَأَرْسِلُونِ) إلى من عنده علمه ، وأراد به يوسف عليهالسلام وإنما لم يصرح به حرصا على أن يكون هو المرسل إليه فإنه لو ذكره فلربما أرسلوا غيره وضمير الجمع إما لأنه أراد الملك وحده لكن خاطبه بذلك على سبيل التعظيم كما هو المعروف في خطاب الملوك ، ويؤيده ما روي أنه لما سمع مقالة القوم جثى بين يدي الملك وقال : إن في السجن رجلا عالما يعبر الرؤيا فابعثوني إليه فبعثوه وكان السجن ـ على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ في غير مدينة الملك ، وقيل : كان فيها ، قال أبو حيان ويرسم الناس اليوم سجن يوسف عليهالسلام في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه كان يقرأ ـ أنا آتيكم ـ مضارع أتى من الإتيان فقيل له : إنما هو (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ) فقال : أهو كان ينبئهم؟! (٣) ، وأخرج ابن المنذر وغيره عن أبيّ أنه قرأ أيضا كذلك. وفي البحر أنه كذا في الإمام أيضا (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) في الكلام حذف أي فأرسلوه فأتاه فقال : يا يوسف ، ووصفه بالمبالغة في الصدق حسبما علمه وجرب أحواله في مدة إقامته معه في السجن لكونه بصدد اغتنام آثاره واقتباس أنواره ، فهو من باب براعة الاستهلال ، وفيه إشارة إلّا أنه ينبغي للمستفتي أن يعظم المفتي ، واستدل بذلك على أنهما لم يكذبا على يوسف في منامهما وأنهما كذبا في قولهما : كذبنا إن ثبت. (أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) أي في رؤيا ذلك ، وإنما لم يصرح به لوضوح مرامه بقرينة ما سبق من معاملتهما ولدلالة مضمون الحادثة عليه حيث إن مثله لا يقع في عالم الشهادة ، والمعنى بين لنا مآل ذلك وحكمه ، وعبر عن ذلك بالإفتاء ، ولم يقل كما قال هو وصاحبه أولا (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) ـ تفخيما لشأنه عليهالسلام حيث عاين رتبته في الفضل ـ ولم يقل : أفتني مع أنه المستفتي وحده إشعارا بأن الرؤيا ليست له بل لغيره ممن له ملابسة بأمور العامة وأنه في ذلك
__________________
(١) وقوله* ثم بعد الفلاح والملك والأمة ووارتهم هناك قبور* ا ه منه.
(٢) أي جماعة من التابعين ا ه منه.
(٣) لعله لم يرد إلّا مجرد ترجيح قراءته ا ه منه.