عليه محذوف لظهوره كما تقدم أي يحلفون به تعالى على ما اعتذروا (لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) بحلفهم وتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ) حسبما طلبوا (فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي فرضاكم لا ينتج لهم نفعا لأن الله تعالى ساخط عليهم ولا أثر لرضا أحد مع سخطه تعالى ، وجوز بعضهم كون الرضا كناية عن التلبيس أي إن أمكنهم أن يلبسوا عليكم بالأيمان الكاذبة حتى يرضوكم لا يمكنهم أن يلبسوا على الله تعالى بذلك حتى يرضى عنهم فلا يهتك أستارهم ولا يهينهم وهو خلاف الظاهر ، ووضع الفاسقين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالخروج عن الطاعة المستوجبة لما حل بهم ، والمراد من الآية نهي المخاطبين عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على أبلغ وجه وآكده فإن الرضا عمن لا يرضى عنه الله تعالى مما لا يكاد يصدر عن المؤمن ، والآية نزلت على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في جد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وأصحابهما من المنافقين وكانوا ثمانين رجلا أمر النبي صلىاللهعليهوسلم المؤمنين لما رجعوا إلى المدينة أن لا يجالسوهم ولا يكلموهم فامتثلوا ، وعن مقاتل أنها نزلت في عبد الله ابن أبي حلف للنبي صلىاللهعليهوسلم أن لا يتخلف عنه أبدا وطلب أن يرضى فلم يفعل صلىاللهعليهوسلم : (الْأَعْرابُ) هي صيغة جمع وليست بجمع للعرب على ما روي عن سيبويه لئلا يلزم كون الجمع أخص من الواحد ، فإن العرب هذا الجيل المعروف مطلقا والأعراب سكان البادية منهم ، ولذا نسب إلى الأعراب على لفظه فقيل أعرابي ، وقيل : العرب سكان المدن والقرى والأعراب سكان البادية من هذا الجيل أو مواليهم فهما متباينان ، ويفرق بين الجمع والواحد بالياء فيهما فيقال للواحد عربي وأعرابي وللجماعة عرب وأعراب وكذا أعاريب وذلك كما يقال الواحد : مجوسي ويهودي ثم تحذف الياء في الجمع فيقال المجوس واليهود ، أي أصحاب البدو (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) من أهل الحضر الكفار والمنافقين لتوحشهم وقساوة قلوبهم وعدم مخالطتهم أهل الحكمة وحرمانهم استماع الكتاب والسنة وهم أشبه شيء بالبهائم ، وفي الحديث عن الحسن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن» وجاء «ثلاثة من الكبائر» وعد منها التعرب بعد الهجرة وهو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا ، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد ، وكان ذلك لغلبة الشر في أهل البادية والطبع سراق أو للبعد عن مجالس العلم وأهل الخير وإنه ليفضي إلى شر كثير ، والحكم على الأعراب بما ذكر من باب وصف الجنس بوصف بعض أفراده كما في قوله تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) [الإسراء : ٦٧] إذ ليس كلهم كما ذكر ، ويدل عليه قوله تعالى الآتي : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ) إلخ ، وكان ابن سيرين كما أخرج أبو الشيخ عنه يقول : إذا تلا أحدكم هذه الآية فليتل الآية الأخرى يعني بها ما أشرنا إليه ، والآية المذكورة كما روي عن الكلبي نزلت في أسد ، وغطفان ، والعبرة بعموم اللفظ لا لخصوص السبب (وَأَجْدَرُ) أي أحق وأخلق ، وهو على ما قال الطبرسي مأخوذ من جدر الحائط بسكون الدال وهو أصله وأساسه ويتعدى بالباء فقوله تعالى : (أَلَّا يَعْلَمُوا) بتقدير بأن لا يعلموا (حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) وهي كما أخرج أبو الشيخ عن الضحاك الفرائض وما أمروا به من الجهاد ، وأدرج بعضهم السنن في الحدود ، والمشهور أنها تخص الفرائض ، أو الأوامر والنواهي لقوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) [البقرة : ٢٢٩] و (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) [البقرة : ١٨٧] ، ولعل ذلك من باب التغليب ولا بعد فيه فإن الأعراب أجدر أن لا يعلموا كل ذلك لبعدهم عمن يقتبس منه ، وقيل : المراد منها بقرينة المقام وعيده تعالى على مخالفة الرسول صلىاللهعليهوسلم في الجهاد ، وقيل : مقادير التكاليف (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم أحوال كل من أهل الوبر والمدر (حَكِيمٌ) بما سيصيب به مسيئهم ومحسنهم من العقاب والثواب.
(وَمِنَ الْأَعْرابِ) أي من جنسهم الذي نعت بنعت بعض أفراده. وقيل : من الفريق المذكور (مَنْ يَتَّخِذُ)