وكانت في سنة اثنتي عشرة وكانوا سبعين رجلا وامرأتين. والذين أسلموا حين جاءهم من قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبو زرارة مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وكان قد أرسله عليه الصلاة والسلام مع أهل العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) أي متلبسين به ، والمراد كل خصلة حسنة ، وهم اللاحقون بالسابقين من الفريقين على أن (مِنَ) تبعيضية أو الذين اتبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة فالمراد بالسابقين جميع المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم ، ومعنى كونهم سابقين أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمين وكثير من الناس ذهب إلى هذا. روي عن حميد بن زياد أنه قال : قلت يوما لمحمد بن كعب القرظي ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما كان بينهم من الفتن فقال لي : إن الله تعالى قد غفر لجميعهم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم فقلت له : في أي موضع أوجب لهم الجنة؟ فقال : سبحان الله ألا تقرأ قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) الآية فتعلم أنه تعالى أوجب لجميع أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم الجنة والرضوان وشرط على التابعين شرطا قلت : وما ذلك الشرط؟ قال : شرط عليهم أن يتبعوهم بإحسان وهو أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة ولا يقتدوا بهم في غير ذلك أو يقال : هو أن يتبعوهم بإحسان في القول وأن لا يقولوا فيهم سوءا وأن لا يوجهوا الطعن فيما أقدموا عليه ، قال حميد بن زياد : فكأني ما قرأت هذه الآية قط ، وعلى هذا تكون الآية متضمنة من فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما لم تتضمنه على التقدير الأول.
واعترض القطب على التفاسير للسابقين من المهاجرين بأن الصلاة إلى القبلتين وشهود بدر وبيعة الرضوان مشتركة بين المهاجرين والأنصار. وأجيب بأن مراد من فسر تعيين سبقهم لصحبتهم ومهاجرتهم له صلىاللهعليهوسلم على من عداهم من ذلك القبيل. واختار الإمام أن المراد بالسابقين من المهاجرين السابقون في الهجرة ومن السابقين من الأنصار السابقون في النصرة وادعى أن ذلك هو الصحيح عنده ، واستدل عليه بأنه سبحانه ذكر كونهم سابقين ولم يبين أنهم سابقون في ما ذا فبقي اللفظ مجملا إلا أنه تعالى لما وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا علم أن المراد من السبق في الهجرة والنصرة إزالة للإجمال عن اللفظ ، وأيضا كل واحدة من الهجرة والنصرة لكونه فعلا شاقا على النفس طاعة عظيمة فمن أقدم عليه أولا صار قدوة لغيره في هذه الطاعة وكان ذلك مقويا لقلب الرسول صلىاللهعليهوسلم وسببا لزوال الوحشة عن خاطره الشريف عليه الصلاة والسلام فلذلك أثنى الله تعالى على كل من كان سابقا إليهما وأثبت لهما ما أثبت ، وكيف لا وهم آمنوا وفي عدد المسلمين في مكة والمدينة قلة وضعف فقوي الإسلام بسببهم وكثر عدد المسلمين بإسلامهم وقوي قلبه صلىاللهعليهوسلم بسبب دخولهم في الإسلام واقتداء غيرهم بهم فكان حالهم في ذلك كحال من سن سنة حسنة ؛ وفي الخبر «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» ولا يخفى أنه حسن.
ويجوز عندي أن يراد بالسابقين الذين سبقوا إلى الإيمان بالله واليوم الآخر واتخاذ ما ينفقون قربات والقرينة على ذلك ظاهرة ، وأيا ما كان فالسابقون مبتدأ خبره قوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) أي بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بما نالوه من النعم الجليلة الشأن. وجوز أبو البقاء أن يكون الخبر (الْأَوَّلُونَ) أو (مِنَ الْمُهاجِرِينَ) وأن يكون (السَّابِقُونَ) معطوفا على (مَنْ يُؤْمِنُ) أي ومنهم السابقون وما ذكرناه أظهر الوجوه. وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قرأ (وَالْأَنْصارِ) بالرفع على أنه معطوف على السابقون.
وأخرج أبو عبيدة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وغيرهم عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يقرأ بإسقاط الواو من «والذين اتبعوهم» فيكون الموصول صفة الأنصار حتى قال له زيد : إنه بالواو فقال : ائتوني بأبيّ بن كعب فأتاه فسأله عن ذلك فقال : هي بالواو فتابعه. وأخرج أبو الشيخ عن أبي أسامة ومحمد بن إبراهيم التيمي