فيقال : السلام أو سلام عليك أو عليكم ، وهذا مجمع عليه انتهى. أقول : ولعل من الحاضر «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» و «سلام عليكم دار قوم مؤمنين» وإلا فهو مشكل ، والظاهر أن العلة في منع السلام ما قاله النووي في علة منع الصلاة من أن ذلك شعار أهل البدع وأنه مخصوص في لسان السلف بالأنبياء والملائكة عليهمالسلام كما أن قولنا : عزوجل مخصوص بالله سبحانه فلا يقال محمد عزوجل وإن كان عزيزا جليلا صلى الله تعالى عليه وسلم ، ثم قال اللقاني : وقال القاضي عياض : الذي ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك ، وسفيان ، واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه يجب تخصيص النبي صلىاللهعليهوسلم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاة والتسليم كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه ويذكر من سواهم بالغفران والرضا كما قال تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٩ ، التوبة : ١٠٠ ، المجادلة : ٢٢ ، البينة : ٨] (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) [الحشر : ١٠] وأيضا أن ذلك في غير من ذكر لم يكن في الصدر الأول وإنما أحدثه الرافضة في بعض الأئمة والتشبيه بأهل البدع منهي عنه فتجب مخالفتهم انتهى ، ولا يخفى أن مذهب الحنابلة جواز ذلك في غير الأنبياء والملائكة عليهمالسلام استقلالا عملا بظاهر الحديث السابق ، وكراهة التشبيه بأهل البدع مقررة عندنا أيضا لكن لا مطلقا بل في المذموم وفيما قصد به التشبه بهم كما ذكره الحصكفي في الدر المختار فافهم. ثم التعرض لوصف الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر في هذا الفريق مع أن مساق الكلام لبيان الفرق بين الفريقين في بيان شأن اتخاذ ما ينفقانه حالا ومآلا وأن ذكر اتخاذه سببا للقربات والصلوات مغن عن التصريح بذلك لكمال العناية بأيمانهم وبيان اتصافهم به وزيادة الاعتناء بتحقق الفرق من أول الأمر ، وأما الفريق الأول فاتصافهم بالكفر والنفاق معلوم من سياق النظم الكريم صريحا.
وجوز عطف (وَصَلَواتِ) على (ما يُنْفِقُ) وعليه اقتصر أبو البقاء أي يتخذ ما ينفق وصلوات الرسول عليه الصلاة والسلام قربات (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) شهادة لهم من جناب الله تعالى بصحة ما اعتقدوه وتصديق لرجائهم ، والضمير إما للنفقة المعلومة مما تقدم أو ـ لما ـ التي هي بمعناها فهو راجع لذلك باعتبار المعنى فلذا أنث أو لمراعاة الخبر. وجوز ابن الخازن رجوعه للصلوات والأكثرون على الأول ، وتنوين (قُرْبَةٌ) للتفخيم المغني عن الجمع أي قربة لا يكتنه كنهها ، وفي إيراد الجملة اسمية بحرفي التنبيه والتحقيق من الجزالة ما لا يخفى.
والاقتصار على بيان كونها قربة لهم لأنها الغاية القصوى وصلوات الرسول عليه الصلاة والسلام من ذرائعها وقرئ «قربة» بضم الراء للاتباع (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) وعد لهم بإحاطة رحمته سبحانه بهم كما يشعر بذلك «في» الدالة على الظرفية وهو في مقابلة الوعيد للفرقة السابقة المشار إليه بقوله تعالى : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وفيه تفسير للقربة أيضا ، والسين للتحقيق والتأكيد لما تقدم أنها في الإثبات في مقابلة لن في النفي ، وقوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تقرير لما تقدم كالدليل عليه ، والآية كما أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وغيرهم عن مجاهد نزلت في بني مقرن من مزينة. وقال الكلبي : في أسلم ، وغفار ، وجهينة وقيل : نزلت التي قبلها في أسد ، وغطفان ، وبني تميم وهذه في عبد الله ذي البجادين بن نهم المزني رضي الله تعالى عنه.
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ) بيان لفضائل أشراف المسلمين إثر بيان طائفة منهم ، والمراد بهم كما روي عن سعيد ، وقتادة ، وابن سيرين ، وجماعة الذين صلوا إلى القبلتين ، وقال عطاء بن رباح : هم أهل بدر ، وقال الشعبي : هم أهل بيعة الرضوان وكانت بالحديبية ، وقيل : هم الذين أسلموا قبل الهجرة (وَالْأَنْصارِ) أهل بيعة العقبة الأولى وكانت في سنة إحدى عشرة من البيعة وكانوا على ما في بعض الروايات سبعة نفر وأهل بيعة العقبة الثانية