وقيل : عطف على (قالَ الَّذِينَ) وجوز أبو البقاء وغيره العطف على (تَتَوَفَّاهُمُ) واستظهره أبو حيان ، لكن قال الشهاب : إنه إنما يتمشى على كون (تَتَوَفَّاهُمُ) بمعنى الماضي ، وقد تقدم لك القول بأن الجملة خبر (الَّذِينَ) مع ما فيه. واعترض الأول بأن قوله تعالى : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) إما أن يكون منصوبا بقول مضمر وذلك القول حال من ضمير ألقوا أي ألقوا السلم قائلين ما كنا إلى آخره أو تفسيرا للسلم الذي ألقوه بناء على أن المراد به القول الدال عليه بدليل الآية الأخرى (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) [النحل : ٨٦] وأيّا ما كان فذلك العطف يقتضي وقوع هذا القول منهم يوم القيامة وهو كذب صريح ولا يجوز وقوعه يومئذ.
وأجيب بأن المراد ما كنا عاملين السوء في اعتقادنا أي كان اعتقادنا أن عملنا غير سيئ ، وهذا نظير ما قيل في تأويل قولهم (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] وقد تعقب بأنه لا يلائمه الرد عليهم ب (بَلى إِنَّ اللهَ) إلى آخره لظهور أنه لإبطال النفي ولا يقال : الرد على من جحد واستيقنت نفسه لأنه يكون كذبا أيضا فلا يفيد التأويل. ومن الناس من قال بجواز وقوع الكذب يوم القيامة ، وعليه فلا إشكال ، ولا يخفى أن هذا البحث جار على تقدير كون العطف على (قالَ الَّذِينَ) أيضا إذ يقتضي كالأول وقوع القول يوم القيامة وهو مدار البحث.
واختار شيخ الإسلام عليه الرحمة العطف السابق وقال : إنه جواب عن قوله سبحانه (أَيْنَ شُرَكائِيَ) وأرادوا بالسوء الشرك منكرين صدوره عنهم ، وإنما عبروا عنه بما ذكر اعترافا بكونه سيئا لا إنكارا لكونه كذلك مع الاعتراف بصدوره عنهم ، ونفى أن يكون جوابا عن قول أولي العلم ادعاء لعدم استحقاقهم لما دهمهم من الخزي والسوء ، ولعله متعين على تقدير العطف على (قالَ الَّذِينَ) إلى آخره ، وإذا كان العطف على (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) كان الغرض من قولهم هذا الصادر منهم عند معاينتهم الموت استعطاف الملائكة عليهمالسلام بنفي صدور ما يوجب استحقاق ما يعانونه عند ذلك ، وقيل : المراد بالسوء الفعل السيئ أعم من الشرك وغيره ويدخل فيه الشرك دخولا أوليا أي ما كنا نعمل سوءا ما فضلا عن الشرك ، و (مِنْ) على كل حال زائدة و (سُوءٍ) مفعول لنعمل (بَلى) رد عليهم من قبل الله تعالى أو من قبل أولي العلم أو من قبل الملائكة عليهمالسلام ، ويتعين الأخير على كون القول عند معاينة الموت ومعاناته أي بلى كنتم تعملون ما تعملون.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فهو يجازيكم عليه وهذا أوانه (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) خطاب لكل صنف منهم أن يدخل بابا من أبواب جهنم ، والمراد بها إما المنفذ أو الطبقة ، ولا يجوز أن يكون خطابا لكل فرد لئلا يلزم دخول الفرد من الكفار من أبواب متعددة أو يكون لجهنم بعدد الافراد ، وجوز أن يراد بالأبواب أصناف العذاب ، فقد جاء إطلاق الباب على الصنف كما يقال : فلان ينظر في باب من العلم أي صنف منه وحينئذ لا مانع في كون الخطاب لكل فرد ، وأبعد من قال : المراد بتلك الأبواب قبور الكفرة المملوءة عذابا مستدلا بما جاء «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة إن أريد بالدخول حدوثه ، ومقارنة إن أريد به مطلق الكون ، وضمير (فِيها) قيل : للأبواب بمعنى الطبقات ، وقيل : لجهنم ، والتزم هذا وكون الحال مقدرة من أبعد ، وحمل الخلود على المكث الطويل للاستغناء عن هذا الالتزام وإن كان واقعا في كلامهم خلاف المعهود في القرآن الكريم (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أي عن التوحيد ، وذكرهم بعنوان التكبر للإشعار بعليته لثوائهم فيها ، وقد وصف سبحانه الكفار فيما تقدم بالاستكبار وهنا بالتكبر ، وذكر الراغب أنهما والكبر تتقارب فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه ، والاستكبار على وجهين : أحدهما أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا ، وذلك متى كان على ما يحب وفي المكان الذي يحب وفي الوقت الذي يحب وهو محمود. والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له