وهو مذموم ، والتكبر على وجهين أيضا : الأول أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره ، وعلى هذا وصف الله تعالى بالمتكبر. والثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك في وصف عامة الناس ، والتكبر على الوجه الأول محمود وعلى الثاني مذموم ، والمخصوص بالذم محذوف أي جهنم أو أبوابها إن فسرت بالطبقات ، والفاء عاطفة ، واللام جيء بها للتأكيد اعتناء بالذم لما أن القوم ضالون مضلون كما ينبئ عنه قوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وللتأكيد اعتناء بالمدح جيء باللام أيضا فيما بعد من قوله سبحانه : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) لأن أولئك القوم على ضد هؤلاء هادون مهديون ، وكأنه لعدم هذا المقتضي في آيتي الزمر والمؤمن لم يؤت باللام ، وقيل : (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) وقيل : التأكيد متوجه لما يفهم من الجملة من أن جهنم مثواهم ، وحيث إنه لم يفهم من الآيات قبل هنا فهمه منها قبل آيتي تينك السورتين جيء بالتأكيد هناك ولم يجئ به هنا اكتفاء بما هو كالصريح في إفادة أنها مثواهم مما ستسمعه إن شاء الله تعالى هناك.
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) أي المؤمنين ، وصفوا بذلك إشعارا بأن ما صدر عنهم من لجواب ناشئ من التقوى.
(ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) أي أنزل خيرا ف (ما ذا) اسم واحد مركب للاستفهام بمعنى أي شيء محله النصب ب (أَنْزَلَ) و (خَيْراً) مفعول لفعل محذوف ، وفي اختيار ذلك دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب وأطبقوه على السؤال معترفين بالإنزال على خلاف الكفرة حيث عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وليس من الإنزال في شيء. نعم قرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «خير» بالرفع ـ فما ـ اسم استفهام و «ذا» اسم موصول بمعنى الذي أي أي شيء الذي أنزله ربكم ، و (خَيْرٌ) خبر مبتدأ محذوف فيتوافق جملتا الجواب والسؤال في كون كل منهما جملة اسمية ، وجعل (ما ذا) منصوبا على المفعولية كما مر ورفع (خَيْرٌ) على الخبرية لمبتدإ جائز إلا أنه خلاف الأولى ، وفي الكشف أنه يظهر من الوقوف على مراد صاحب الكشاف في هذا المقام أن فائدة النصف مع أن الرفع أقوى دفع الالتباس ليكون نصا في المطلوب كما أوثر النصب في قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] لذلك وينحل مراده من ذلك بالرجوع إلى ما نقلناه عنه سابقا والتأمل فيه فتأمل فإنه دقيق.
هذا ولم نجد في السائل هنا خلافا كما في السائل فيما تقدم ، والذي رأيناه في كثير مما وقفنا عليه من التفاسير أن السائل الوفد الذي كان سائلا أولا في بعض الأقوال المحكية هناك ، وذكر أنه السائل في الموضعين كثير منهم ابن أبي حاتم ، فقد أخرج عن السدي قال اجتمعت قريش فقالوا : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم رجل حلو اللسان إذا كلمه الرجل ذهب بعقله فانظروا أناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس ليلة أو ليلتين فمن جاء يريده فردوه عنه فخرج ناس منهم في كل طريق فكان إذا أقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد صلىاللهعليهوسلم فينزل بهم قالوا له : يا فلان ابن فلان فيعرفه بنسبه ويقول : أنا أخبرك عن محمد صلىاللهعليهوسلم هو رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيه وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له فيرجع أحدهم فذلك قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) فإذا كان الوافد ممن عزم الله تعالى له على الرشاد فقالوا له مثل ذلك قال : بئس الوافد أنا لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل وانظر ما يقول وآتي قومي ببيان أمره فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ما ذا يقول محمد صلىاللهعليهوسلم فيقولون : خيرا إلخ ، نعم يجوز عقلا أن يكون السائل بعضهم لبعض ليقوى ما عنده بجوابه أو لنحو ذلك كالاستلذاذ بسماع الجواب وكثيرا ما يسأل المحب عما يعلمه من أحوال محبوبه استلذاذا بمدامة ذكره وتشنيفا لسمعه بسني دره
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر |
|
ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر |