مبني للمفعول ، ورويت عن أبي جعفر ، وشيبة (لَهُمْ فِيها) أي في تلك الجنات (ما يَشاؤُنَ) الظرف الأول خبر ـ لما ـ والثاني حال منه ، والعامل ما في الأول من معنى الحصول والاستقرار أو متعلق به لذلك أي حاصل لهم فيها ما يشاءون من أنواع المشتهيات وتقديمه للاحتراز عن توهم تعلقه بالمشيئة أو لما مرّ غير مرة من أن تأخير ما حقه التقديم يوجب ترقب النفس إليه فيتمكن عند وروده فضل تمكن. وذكر بعضهم أن تقديم فيها للحصر وما للعموم بقرينة المقام فيفيد أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة فتأمله. والجملة في موضع الحال نظير ما تقدم ، وزعم أن لهم متعلق بتجري أي تجري من تحتها الأنهار لنفعهم و (فِيها ما يَشاؤُنَ) مبتدأ وخبر في موضع الحال لا يخفى حاله عند ذوي التمييز (كَذلِكَ) مثل ذلك الجزاء الأوفى (يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) أي جنسهم فيشمل كل من يتقي من الشرك والمعاصي وقيل من الشرك ويدخل فيه المتقون المذكورون دخولا أوليا ويكون فيه بعث لغيرهم على التقوى أو المذكورين فيكون فيه تحسير للكفرة ، قيل : وهذه الجملة تؤيد كون قوله سبحانه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) عدة فإن جعل ذلك جزاء لهم ينظر إلى الوعد به من الله تعالى وإذا كان مقول القول لا يكون من كلامه تعالى حتى يكون وعدا منه سبحانه ، وقيل : إنها تؤيد كون (جَنَّاتُ) خبر مبتدأ محذوف لا مخصوصا بالمدح لأنه إذا كان مخصوصا بالمدح يكون كالصريح في أن (جَنَّاتُ عَدْنٍ) جزاء للمتقين فيكون (كَذلِكَ) إلخ تأكيدا بخلاف ما إذا كان خبر مبتدأ محذوف فإنه لم يعلم صريحا أن جنات عدن جزاء للمتقين وفيه نظر وكذا في سابقه إلا أن في التعبير بالتأبيد ما يهون الأمر (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) نعت للمتقين وجوز قطعه ، وقوله سبحانه : (طَيِّبِينَ) حال من ضميرهم ، ومعناه على ما روي عن أبي معاذ طاهرين من دنس الشرك وهو المناسب لجعله في مقابلة (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) في وصف الكفرة بناء على أن المراد بالظلم أعظم أنواعه وهو الشرك لكن قيل عليه : إن ذكر الطهارة عن الشرك وحده لا فائدة فيه بعد وصفهم بالتقوى.
وأجيب بأن فائدة ذلك الإشارة إلى أن الطهارة عن الشرك هي الأصل الأصيل. وفي إرشاد العقل السليم بعد تفسير الظلم بالكفر وتفسير طيبين بطاهرين عن دنس الظلم وجعله حالا قال : وفائدته الإيذان بأن ملاك الأمر في التقوى هو الطهارة عما ذكر إلى وقت توفيهم ، ففيه حث للمؤمنين على الاستمرار على ذلك ولغيرهم على تحصيله.
وقال مجاهد : المراد ـ بطيبين ـ زاكية أقوالهم وأفعالهم ، وهو مراد من قال : طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي وإلى هذا ذهب الراغب حيث قال الطيب من الإنسان من تعرى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال وإياهم قصد بقوله سبحانه : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ).
وانتصر لذلك بأن وصفهم بأنهم متقون موعودون بالجنة في مقابلة الأعمال يقتضي ما ذكر ، وحملوا الظلم فيما مر على ما يعم الكفر والمعاصي لأن ذلك مجاب بقولهم : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) فلا تفوت المناسبة في جعل هذا مقابلا لذاك لكن في الاستدلال بما ذكر في الجواب على إرادة العام ما لا يخفى ، والكثير على تفسير الطيب بالطاهر عن قاذورات الذنوب مطابق الذي لا خبث فيه ، وقيل : المعنى فرحين ببشارة الملائكة عليهمالسلام إياهم أو بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس ، فالمراد بالطيب طيب النفس وطيبها عبارة عن القبول مع انشراح الصدر (يَقُولُونَ) حال من الملائكة ، وجوز أن يكون «الذين» مبتدأ خبره هذه الجملة أي قائلين أو قائلون لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) لا يحيقكم بعد مكروه.
قال القرطبي : وروى نحوه البيهقي عن محمد بن كعب القرظي إذا استدعيت نفس المؤمن جاءه ملك الموت عليهالسلام فقال : السلام عليك يا ولي الله إن الله تعالى يقرأ عليك السلام وبشره بالجنة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) التي