أعدها الله تعالى لكم ووعدكم إياها وكأنها إنما لم توصف لشهرة أمرها.
وفي إرشاد العقل السليم اللام للعهد أي (جَنَّاتُ عَدْنٍ) إلخ ولذلك جردت عن النعت وهو كما ترى ، والمراد دخولهم فيها بعد البعث بناء على أن المتبادر الدخول بالأرواح والأبدان والمقصود من الأمر بذلك قبل مجيء وقته البشارة بالجنة على أتم وجه ويجوز أن يراد الدخول حين التوفي بناء على حمل الدخول على الدخول بالأرواح كما يشير إليه خبر «القبر روضة من رياض الجنة» وكون البشارة بذلك دون البشارة بدخول الجنة على المعنى الأول لا يمنع عن ذلك على أن لقائل أن يقول : إن البشارة بدخول الجنة بالأرواح متضمنة للبشارة بدخولها بالأرواح والأبدان عند وقته ، وكون هذا القول كسابقه عند قبض الأرواح هو المروي عن ابن مسعود ، وجماعة من المفسرين ، وقال مقاتل والحسن : إن ذلك يوم القيامة ، والمراد من التوفي وفاة الحشر أعني تسليم أجسادهم وإيصالها إلى موقف الحشر من توفي الشيء إذا أخذه وافيا ، وجوز حمل التوفي على المعنى المتعارف مع كون القول يوم القيامة إما بجعل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) يقولون مبتدأ وخبرا أو بجعل يقولون حالا مقدرة من الملائكة و (الَّذِينَ) على حاله أولا وحال ذلك لا يخفى (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي بسبب ثباتكم على التقوى والطاعة بالذي كنتم تعملونه من ذلك ، والباء للسببية العادية ، وهي فيما في الصحيحين من قوله صلىاللهعليهوسلم : «لن يدخل الجنة أحدكم بعمله» الحديث للسببية الحقيقية فلا تعارض بين الآية والحديث وبعضهم جعل الباء للمقابلة دفعا للتعارض (هَلْ يَنْظُرُونَ) أي ما ينتظر كفار مكة المار ذكرهم (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم كما روي عن قتادة ومجاهد ، وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش «يأتيهم» بالياء آخر الحروف (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) أي القيامة كما روي عمن تقدم أيضا ، وقال بعضهم : المراد به العذاب الدنيوي دونها لا لأن انتظارها يجامع انتظار إتيان الملائكة فلا يلائمه العطف بأو لا لأنها ليست نصا في العناد إذ يجوز أن يعتبر منع الخلو ويراد بإيرادها كفاية كل واحد من الأمرين في عذابهم بل لأن قوله تعالى فيما سيأتي إن شاء الله تعالى : (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فأصابهم الآية صريح في أن المراد به ما أصابهم من العذاب الدنيوي وفيه منع ظاهر ، ويؤيد إرادة الأول التعبير ـ بيأتي ـ دون يأتيهم ، وقيل : المراد بإتيان الملائكة إتيانهم للشهادة بصدق النبي صلىاللهعليهوسلم أي ما ينتظرون في تصديقك إلا أن تنزل الملائكة تشهد بنبوتك فهو كقوله تعالى : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨] والجمهور على الأول ، وجعلوا منتظرين لذلك مجازا لأنه يلحقهم لحوق الأمر المنتظر كما قيل.
واختير أن ذلك لمباشرتهم أسباب العذاب الموجبة له المؤدية إليه فكأنهم يقصدون إيتاءه ويتصدون لوروده ، ولا يخفى ما في التعبير بالرب وإضافته إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم من اللطف به عليه الصلاة والسلام ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وجه ربط الآيات (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب (فَعَلَ الَّذِينَ) خلوا (مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) إذ أصابهم جزاء فعلهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالاستمرار على فعل القبائح المؤدي لذلك ، قيل : وكان الظاهر أن يقال : ولكن كانوا هم الظالمين في سورة الزخرف لكنه أوثر ما عليه النظم الكريم لإفادة أن غائلة ظلمهم آئلة إليهم وعاقبته مقصورة عليهم مع استلزام اقتصار ظلم كل أحد على نفسه من حيث الوقوع اقتصاره عليه من حيث الصدور (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي أجزية أعمالهم السيئة على طريقة إطلاق اسم السبب على المسبب إيذانا بفظاعته ، وقيل : الكلام على حذف المضاف.
وتعقب بأنه يوهم أن لهم أعمالا غير سيئة والتزم ومثل ذلك بنحو صلة الأرحام ، ولا يخفى أن المعنى ليس على التخصيص ، والداعي إلى ارتكاب أحد الأمرين أن الكلام بظاهره يدل على أن ما أصابهم سيئة ، وليس بها.