فاعل من أفرط اللازم إذا تجاوز أي مجاوز والحد في معاصي الله تعالى. وقرأ أبو جعفر «مفرّطون» بتشديد الراء وكسرها من فرط في كذا إذا قصر أي مقصرون في طاعة الله تعالى ، وعنه أنه قرأ «مفرّطون» بتشديد الراء وفتحها من فرطته المعدى بالتضعيف من فرط بمعنى تقدم أي مقدمون إلى النار.
(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما كان يناله من جهالات قومه الكفرة ووعيد لهم على ذلك ، ولا يخفى ما في ذلك من عظيم التأكيد أي أرسلنا رسلا إلى أمم من قبل أمتك أو من قبل إرسالك إلى هؤلاء فدعوهم إلى الحق (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) القبيحة فلم يتركوها ولم يمتثلوا دعوة الرسل عليهمالسلام ، وقد تقدم الكلام في نسبة التزيين إلى الشيطان (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ) أي قرين الأمم وبئس القرين أو متولي اغوائهم وصرفهم عن الحق (الْيَوْمَ) أي يوم زين الشيطان أعمالهم فيه ، وهو وإن كان ماضيا واليوم المعرف معروف في زمان الحال كالآن لكان صور بصورة الحال ليستحضر السامع تلك الصورة العجيبة ويتعجب منها ، وسمى مثل ذلك حكاية الحال الماضية وهو استعارة من الحضور الخارجي للحضور الذهني أو المراد باليوم مدة الدنيا لأنها كالوقت الحاضر بالنسبة للآخرة وهي شاملة للماضي والآتي وما بينهما أي فهو وليهم في الدنيا (وَلَهُمْ) في الأخرى (عَذابٌ أَلِيمٌ) وهو عذاب النار ، وقد ورد إطلاق اليوم على مدتها كثيرا فهو مجاز متعارف وليس فيه حكاية لما مضى أو يوم القيامة الذي فيه عذابهم لكن صور بصورة الحال استحضارا له كما في الوجه الأول إلا أنه حكاية آتية وفي الأول حكاية حال ماضية وليس من مجاز الأول ، والولي على هذا بمعنى الناصر أي لا ناصر لهم في ذلك اليوم غيره وهو نفي للناصر على أبلغ وجه على حد قوله :
وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلا اليعافير وإلا العيس |
ولا يجوز أن يكون بمعنى المتولي للإغواء إذا لا إغواء ثمة ولا بمعنى القرين لأنه في الدرك الأسفل من النار ، وجوز بعضهم باعتبار أنه معهم في النار في الجملة ولا يضر اختلافهم في الدركات ، والظاهر أن ضمائر الجمع كلها للأمم كما أشرنا إليه في بعضها ، وجوز الزمخشري أن يكون ضمير (وَلِيُّهُمُ) المضاف إليه لقريش لا للأمم و (الْيَوْمَ) بمعنى الزمان الذي وقع فيه الخطاب أي زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم. وأن يكون الضمير للمتقدمين ، والكلام على حذف مضاف أي ولي أمثالهم ، والمراد من الأمثال قريش.
وتعقب ذلك أبو حيان بأن فيه بعدا لاختلاف الضمائر من غير داع إليه ولا إلى تقدير المضاف. ورد بأن لفظ اليوم داع إليه ، وقال الطيبي : إن الوجه وعليه النظم الفائق لأن في تصدير القسمية بقوله تعالى : (تَاللهِ) بعد إنكارهم الرسالة وتعداد قبائحهم الإشعار بأن ما ذكر كالتسلية فكأنه قيل : إن الأمم الخالية مع الرسالة السالفة لم تزل على هذه الوتيرة فلك أسوة بالرسل عليهمالسلام وقومك خلف لتلك الأمم فلا تهتم لذلك فإن ربك ينتقم لك منهم في الدنيا والآخرة فاشتغل أنت بتبليغ ما أنزل إليك وتقرير أنواع الدلائل المنصوبة على الوحدانية وبالتنبيه على إقامة على نعم الله تعالى المتظاهرة اه.
وقال في الكشف : لا ترجيح لهذا الوجه من حيث التسلي إذ الكل مفيد لذلك على وجه بين وإنما الترجيح للوجه الصائر إلى استحضار الحال لما فيه من مزيد التشفي اه ، والحق أن ما ذكره الزمخشري غير ظاهر وما قيل : إن لفظ (الْيَوْمَ) داع إليه في حيز المنع ، وقصارى ما يقال : وجود القرينة المصححة لا المرجحة هذا. وذكر في الكشف في بيان ربط الآيات أن قوله سبحانه : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ) إلى هذا الموضع فن آخر من كفرانهم