بالآية على خلافه فيه نظر ، وكان من دعائه صلىاللهعليهوسلم كما أخرجه البخاري. وابن مردويه عن أنس «أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات».
(لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) اللام للصيرورة والعاقبة وهي في الأصل للتعليل وكي مصدرية والفعل منصوب بها والمنسبك مجرور باللام والجار والمجرور متعلق ـ بيرد. ، وزعم الحوفي أن اللام لام كي دخلت على كي للتوكيد وليس بشيء ، والعلم بمعنى المعرفة ، والكلام كناية عن غاية النسيان أي ليصير نساء بحيث إذا كسب علما في شيء لم ينشب أن ينساه ويزل عنه علمه من ساعته يقول لك : من هذا؟ فتقول : فلان فما يلبث لحظة إلا سألك عنه ، وقيل : المراد لئلا يعلم زيادة علم على علمه ، وقيل : لئلا يعقل من بعد عقله الأول شيئا فالعلم بمعنى العقل لا بمعناه الحقيقي كما في سابقه ، وفيه دلالة على وقوفه وأنه لا يقدر على علم زائد ، والوجه المعتمد الأول ، ونصب ـ شيئا ـ على المصدرية أو المفعولية ، وجوز فيه التنازع بين يعلم وعلم ، وكون مفعول ـ علم ـ محذوفا لقصد العموم أي لا يعلم شيئا ما بعد علم أشياء كثيرة (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بكل شيء ومن ذلك وجه الحكمة في الخلق والتوفي والرد إلى أرذل العمر (قَدِيرٌ) على كل شيء ومنه ما يشاؤه سبحانه من ذلك ، وقيل : عليم بمقادير أعماركم قدير على كل شيء يميت الشاب النشيط ويبقي الهرم الفاني ، وفيه تنبيه على أن تفاوت الآجال ليس إلا بتقدير قادر حكيم رتب الأبنية وعدل الأمزجة على قدر معلوم ولو كان ذلك مقتضى القطائع لما بلغ هذا المبلغ ، وقيل : إنه تعالى لما ذكر ما يعرض في الهرم من ضعف القوى والقدرة وانتفاء العلم ذكر أنه جل شأنه مستمر على العلم الكامل والقدرة الكاملة لا يتغيران بمرور الأزمان كما يتغير علم البشر وقدرتهم ، ويفيد الاستمرار الجملة الاسمية ، والكمال صيغة فعيل ، وقدم صفة العلم لتجاوز انتفاء العلم عن المخاطبين مع أن تعلق صفة العلم بالشيء أول لتعلقه صفة القدرة به ، ولا يخفى عليك ما هو الأولى من الثلاثة فدبر.
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) أي جعلكم متفاوتين فيه فأعطاكم منه أفضل مما أعطى مماليككم (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) فيه على غيرهم وهم الملاك (بِرَادِّي) أي بمعطي (رِزْقِهِمْ) الذي رزقهم إياه (عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) على مماليكهم الذين هم شركاؤهم في المخلوقية والمرزوقية (فَهُمْ) أي الملاك الذين فضلوا والمماليك (فِيهِ) أي في الرزق (سَواءٌ) لا تفاضل بينهم ، والجملة اسمية واقعة موقع فعل منصوب في جواب النفي أي لا يردونه عليهم فيستووا فيه ويشتركوا ، وجوز أن تكون في تأويل فعل مرفوع معطوف على قوله تعالى : (بِرَادِّي) أي لا يردونه عليهم فلا يستوون ، والمراد بذلك توبيخ الذين يشركون به سبحانه بعض مخلوقاته وتقريعهم والتنبيه على كمال قبح فعلهم كأنه قيل : إنكم لا ترضون بشركة عبيدكم لكم بشيء لا يختص بكم بل يعمكم وإياهم من الرزق الذي هم أسوة لكم في استحقاقه وهم أمثالكم في البشرية والمخلوقية لله عزّ سلطانه فما بالكم تشركون به سبحانه وتعالى فيما لا يليق إلا به جل وعلا من الألوهية والمعبودية الخاصة بذاته تعالى لذاته بعض مخلوقاته الذي هو بمعزل عن درجة الاعتبار ، وهو على ما صرح به جماعة على شاكلة قوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) [الروم : ٢٨] يعنون بذلك أنه مثل ضرب لكمال قباحة ما فعلوه ، وفي قوله (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) قرينة ـ كما قيل ـ على ذلك ، وكذا في قوله تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) على مقدر وهي داخلة في الحقيقة على الفعل أعني (يَجْحَدُونَ) ولتضمن الجحود معنى الكفر جيء بالباء في معموله المقدم عليه للاهتمام أو لإبهام الاختصاص مبالغة أو لرعاية رءوس الآي ، والمراد بالنعمة قيل الرزق وقيل ولعله الأولى : ما يشمله وغيره من النعم الفائضة عليهم منه سبحانه أي يشركون به تعالى فيجحدون