وجوز أن يكون الجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أي إيذانا على سواء. وأن يكون في موضع الخبر لأن مقدرة أي أعلمتكم أني على سواء أي عدل واستقامة رأي بالبرهان النير وهذا خلاف المتبادر جدا.
وفي الكشاف أن قوله تعالى : (آذَنْتُكُمْ) إلخ استعارة تمثيلية شبه بمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحس بغدرهم فنبذ إليهم العهد وشهر النبذ وإشاعة وآذانهم جميعا بذلك وهو من الحسن بمكان (وَإِنْ أَدْرِي) أي ما أدري (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) من غلبة المسلمين عليكم وظهور الدين أو الحشر مع كونه آتيا لا محالة ، والجملة في موضع نصب بأدري. ولم يجىء التركيب أقريب ما توعدون أم بعيد لرعاية الفواصل.
(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ) أي ما تجهرون به من الطعن في الإسلام وتكذيب الآيات التي من جملتها ما نطق بمجيء الموعود (وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ) من الاحن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه نقيرا وقطميرا (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ) أي ما أدري لعل تأخير جزائكم (١) استدراج لكم وزيادة في افتنانكم أو امتحان لكم لينظر كيف تعملون. وجملة (لَعَلَّهُ) إلخ في موضع المفعول على قياس ما تقدم.
والكوفيون يجرون لعل مجرى هل في كونها معلقة. قال أبو حيان : ولا أعلم أحدا ذهب إلى أن لعل من أدوات التعليق وإن كان ذلك ظاهرا فيها. وعن ابن عباس في رواية أنه قرأ «أدري» بفتح الياء في الموضعين تشبيها لها بياء الإضافة لفظا وإن كانت لام الفعل ولا تفتح إلا بعامل. وأنكر ابن مجاهد فتح هذه الياء.
(وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) أي وتمتيع لكم وتأخير إلى أجل مقدر تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة ليكون ذلك حجة عليكم. وقيل المراد بالحين يوم بدر. وقيل يوم القيامة (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) حكاية لدعائه صلىاللهعليهوسلم. وقرأ الأكثر «قل» على صيغة الأمر. والحكم القضاء. والحق العدل أي رب اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضي لتعجيل العذاب والتشديد عليهم فهو دعاء بالتعجيل والتشديد وإلا فكل قضائه تعالى عدل وحق. وقد استجيب ذلك حيث عذبوا ببدر أي تعذيب.
وقرأ أبو جعفر «ربّ» بالضم على أنه منادى مفرد كما قال صاحب اللوامح ، وتعقبه بأن حذف حرف النداء من اسم الجنس شاذ بابه الشعر. وقال أبو حيان : إنه ليس بمنادى مفرد بل هو منادى مضاف إلى الياء حذف المضاف إليه وبني على الضم كقبل وبعد وذلك لغة حكاها سيبويه في المضاف إلى ياء المتكلم حال ندائه ولا شذوذ فيه. وقرأ ابن عباس وعكرمة والجحدري وابن محيصن «ربّي» بياء ساكنة «أحكم» على صيغة التفضيل أي أنفذ أو أعدل حكما أو أعظم حكمة. فربي أحكم مبتدأ وخبر.
وقرأت فرقة «أحكم» فعلا ماضيا (وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ) مبتدأ وخبر أي كثير الرحمة على عباده. وقوله سبحانه : (الْمُسْتَعانُ) أي المطلوب منه العون خبر آخر للمبتدإ. وجوز كونه صفة للرحمن بناء على إجرائه مجرى العلم. وإضافة الرب فيما سبق إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم خاصة لما أن الدعاء من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة والسلام كما أن إضافته هاهنا إلى ضمير الجمع المنتظم للمؤمنين أيضا لما أن الاستعانة من الوظائف العامة لهم.
(عَلى ما تَصِفُونَ) من الحال فإنهم كانوا يقولون : إن الشركة تكون لهم وإن راية الإسلام تخفق ثم تسكن
__________________
(١) فالضمير لما علم من الكلام ا ه منه.