وإن المتوعد به لو كان حقا لنزل بهم إلى غير ذلك مما لا خير فيه فاستجاب الله عزوجل دعوة رسولهصلىاللهعليهوسلم فخيب آمالهم وغير أحوالهم ونصر أولياءه عليهم فأصابهم يوم بدر ما أصابهم ، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ على أبيّ رضي الله تعالى عنه «يصفون» بياء الغيبة ورويت عن ابن عامر وعاصم. هذا وفي جعل خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما يتعلق به خاتمة لسورة الأنبياء طيب كما قال الطيبي يتضوع منه مسك الختام.
ومن باب الإشارة في الآيات (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) قيل ذلك الرشد إيثار الحق جل شأنه على ما سواه سبحانه ، وسئل الجنيد متى أتاه ذلك؟ فقال : حين لا متى (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ) فيه إشارة إلى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه في رأيه وضلة في عقله ا ه.
وقال حمدون القصار : استعانة الخلق بالخلق كاستعانة المسجون بالمسجون (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) قال ابن عطاء : كان ذلك لسلامة قلب ابراهيم عليهالسلام وخلوه من الالتفات إلى الأسباب وصحة توكله على الله تعالى ، ولذا قال عليهالسلام حين قال له جبريل عليهالسلام : ألك حاجة؟ أما إليك فلا (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) فيه إشارة إلى أن الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء ولا تعلق له بالصغر والكبر فكم من صغير أفضل من كبير بكثير (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً) قيل معرفة بأحكام الربوبية (وَعِلْماً) معرفة بأحكام العبودية (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) قيل كان عليهالسلام يخلو في الكهوف لذكره تعالى وتسبيحه فيشاركه في ذلك الجبال ويسبحن معه ، وذكر بعضهم أن الجبال لكونها خالية عن صنع الخلق حالية بأنوار قدره الحق يحب العاشقون الخلوة فيها ، ولذا تحنث صلىاللهعليهوسلم في غار حراء.
واختار كثير من الصالحين الانقطاع للعبادة فيها (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ذكر أنه عليهالسلام قال ذلك حين قصدت دودة قلبه ودودة لسانه فخاف أن يشغل موضع فكره وموضع ذكره ، وقال جعفر : كان ذلك منه عليهالسلام استدعاء للجواب من الحق سبحانه ليسكن إليه ولم يكن شكوى وكيف يشكو المحب حبيبه وكل ما فعل المحبوب محبوب وقد حفظ عليهالسلام آداب الخطاب (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) قيل إن ذلك رشحة من دن خمر الدلال ، وذكروا أن مقام الدل دون مقام العبودية المحضة لعدم فناء الإرادة فيه ولذا نادى عليهالسلام (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي حيث اختلج في سري أن أريد غيره ما أردت (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) قيل إنه عليهالسلام أراد ولدا يصلح لأن يكون محلا لإفشاء الأسرار الإلهية إليه فإن العارف متى كان فردا غير واجد من يفشي إليه السر ضاق ذرعه (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) قيل أي رغبة فينا ورهبة عما سوانا أو رغبة في لقائنا ورهبة من الاحتجاب عنا (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ).
قال أبو يزيد : الخشوع خمود القلب عن الدعاوى ، وقيل الفناء تحت أذيال العظمة ورداء الكبرياء (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) أكثر الصوفية قدست أسرارهم على أن المراد من العالمين جميع الخلق وهو صلىاللهعليهوسلم رحمة لكل منهم إلا أن الحظوظ متفاوتة ويشترك الجميع في أنه عليه الصلاة والسلام سبب لوجودهم بل قالوا : إن العالم كله مخلوق من نوره صلىاللهعليهوسلم ، وقد صرح بذلك الشيخ عبد الغني النابلسي قدسسره في قوله وقد تقدم غير مرة:
طه النبي تكونت من نوره |
|
كل الخليقة ثم لو ترك القطا |