فيه الواحد المذكر وغيره ، قال أبو البقاء : وأكثر الاستعمال توحيده فمن ثناه وجمعه حمله على الصفات والأسماء ، وعن الكسائي أنه قرأ «خصمان» بكسر الخاء ، ومعنى اختصامهم في ربهم اختصامهم في شأنه عزّ شأنه ، وقيل في دينه ، وقيل في ذاته وصفاته والكل من شئونه تعالى واعتقاد كل من الفريقين حقية ما هو عليه وبطلان ما عليه صاحبه وبناء أقواله وأفعاله عليه يكفي في تحقق خصومته للفريق الآخر ولا يتوقف عن التحاور.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : تخاصمت المؤمنون واليهود فقالت اليهود : نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابا ونبيا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله تعالى آمنا بمحمدصلىاللهعليهوسلم وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله تعالى من كتاب وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا فنزلت.
وأخرج جماعة عن قتادة نحو ذلك واعترض بأن الخصام على هذا ليس في الله تعالى بل في أيهما أقرب منه عزّ شأنه. وأجيب بأنه يستلزم ذلك وهو كما ترى وقيل عليه أيضا : إن تخصيص اليهود خلاف مساق الكلام في هذا المقام. وفي الكشف قالوا : إن هذا لا ينافي ما روي عن ابن عباس من أن الآية ترجع إلى أهل الأديان الستة في التحقيق لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والطبراني وغيرهم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية (هذانِ خَصْمانِ) إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر هم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ، وأنت تعلم أن هذا الاختصام ليس اختصاما في الله تعالى بل منشؤه ذلك فتأمل ولا تغفل.
وأما ما قيل من أن المراد بهذين الخصمين الجنة والنار فلا ينبغي أن يختلف في عدم قبوله خصمان أو ينتطح فيه كبشان ، وفي الكلام كما قال غير واحد تقسيم وجمع وتفريق فالتقسيم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) والجمع (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) إلى قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) والتفريق في قوله سبحانه : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) إلخ أي أعد لهم ذلك ، وكأنه شبه أعداد النار المحيطة بهم بتقطيع ثياب وتفصيلها لهم على قدر جثثهم ففي الكلام استعارة تمثيلية تهكمية وليس هناك تقطيع ولا ثياب حقيقة ، وكأن جمع الثياب للإيذان بتراكم النار المحيطة بهم وكون بعضها فوق بعض.
وجوز أن يكون ذلك لمقابلة الجمع بالجمع والأول أبلغ ، وعبر بالماضي لأن الأعداد قد وقع فليس من التعبير بالماضي لتحققه كما في «نفخ في الصور».
وأخرج جماعة عن سعيد بن جبير أن هذه الثياب من نحاس مذاب وليس شيء حمي في النار أشد حرارة منه فليست الثياب من نفس النار بل من شيء يشبهها وتكون هذه الثياب كسوة لهم وما أقبحها كسوة. ولذا قال وهب : يكسى أهل النار والعري خير لهم. وقرأ الزعفراني في اختياره «قطعت» بالتخفيف والتشديد أبلغ.
(يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) أي الماء الحار الذي انتهت حرارته ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لو سقط من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها ، وفسره ابن جبير بالنحاس المذاب ، والمشهور التفسير السابق ، ولعله إنما جيء بمن ليؤذن بشدة الوقوع ؛ والجملة مستأنفة أو خبر ثان للموصول أو في موضع الحال المقدرة من ضمير (لَهُمْ يُصْهَرُ بِهِ) أي يذاب (ما فِي بُطُونِهِمْ) من الأمعاء والأحشاء.
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وصححه وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وجماعة عن أبي هريرة أنه تلا هذه