(وَصَلَواتٌ) جمع صلاة وهي كنيسة اليهود. وقيل : معبد للنصارى دون البيعة والأول أشهر ، وسميت الكنيسة بذلك لأنها يصلى فيها فهي مجاز من تسمية المحل باسم الحال ، وقيل : هي بمعناها الحقيقي وهدمت بمعنى عطلت أو في الكلام مضاف مقدر وليس بذاك ، وقيل : (صَلَواتٌ) معرب صلوثا بالثاء المثلثة والقصر ومعناها بالعبرانية المصلى. وروي عن أبي رجاء والجحدري وأبي العالية ومجاهد أنهم قرءوا بذلك ، والظاهر أنه على هذا القول اسم جنس لا علم قبل التعريب وبعده لكن ما رواه هارون عن أبي عمرو من عدم تنوينه ومنع صرفه للعلمية والعجمة يقتضي أنه علم جنس إذ كونه اسم موضع بعينه كما قيل بعيد فعليه كان ينبغي منع صرفه على القراءة المشهورة فلذا قيل إنه صرف لمشابهته للجمع لفظا فيكون كعرفات ، والظاهر أنه نكر إذ جعل عاما لما عرب ، وأما القول بأن القائل به لا ينونه فتكلف قاله الخفاجي.
وقرأ جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما : (صَلَواتٌ) بضم الصاد واللام ، وحكى عنه ابن خالويه بكسر الصاد وسكون اللام وحكيت عن الجحدري ، وحكي عنه أيضا «صلوات» بضم الصاد وفتح اللام وحكيت عن الكلبي ، وقرأ أبو العالية في رواية «صلوات» بفتح الصاد وسكون اللام ، وقرأ الحجاج بن يوسف صلوات بضم الصاد واللام من غير ألف وحكيت عن الجحدري أيضا ، وقرأ مجاهد «صلوتا» بضمتين وتاء مثناة بعدها ألف ، وقرأ الضحاك والكلبي «صلوث» بضمتين من غير ألف وبثاء مثلثة ، وقرأ عكرمة «صلويثا» بكسر الصاد وإسكان اللام وواو مكسورة بعدها ياء بعدها ثاء مثلثة بعدها ألف ، وحكي عن الجحدري أيضا «صلواث» بضم الصاد وسكون اللام وواو مفتوحة بعدها ألف بعدها ثاء مثلثة ، وحكي عن مجاهد أنه قرأ كذلك إلا أنه بكسر الصاد ، وحكى ابن خالويه وابن عطية عن الحجاج والجحدري «صلوب» بضمتين وباء موحدة على أنه جمع صليب كظريف وظروف وجمع فعيل على فعول شاذ فهذه عدة قراءات قلما يوجد مثلها في كلمة واحدة (وَمَساجِدُ) جمع مسجد وهو معبد معروف للمسلمين ، وخص بهذا الاسم اعتناء بشأنه من حيث إن السجود أقرب ما يكون العبد فيه إلى ربه عزوجل ، وقيل : لاختصاص السجود في الصلاة بالمسلمين ، ورد بقوله تعالى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) [آل عمران : ٤٣] مع الراكعين وحمل السجود فيها على المعنى اللغوي بعيد ، وقال ابن عطية : الأسماء المذكورة تشترك الأمم في مسمياتها إلا البيعة فإنها مختصة بالنصارى في عرف كل لغة ، والأكثرون على أن الصوامع للرهبان والبيع للنصارى والصلوات لليهود والمساجد للمسلمين.
ولعل تأخير ذكرها مع أن الظاهر تقديمها لشرفها لأن الترتب الوجودي كذلك أو لتقع في جوار مدح أهلها أو للتبعيد من قرب التهديم ، ولعل تأخير (صَلَواتٌ) عن (بِيَعٌ) مع مخالفة الترتيب الوجودي له للمناسبة بينها وبين المساجد كذا قيل ، وقيل إنما جيء بهذه المتعبدات على هذا النسق للانتقال من شريف إلى أشرف فإنه البيع أشرف من الصوامع لكثرة العباد فيها فإنها معبد للرهبان وغيرهم والصوامع معبد للرهبان فقط وكنائس اليهود أشرف من البيع لأن حدوثها أقدم وزمان العبادة فيها أطول ، والمساجد أشرف من الجميع لأنه الله تعالى قد عبد فيها بما لم يعبد به في غيرها
ولعل المراد من قوله تعالى : (لَهُدِّمَتْ) إلخ المبالغة في ظهور الفساد ووقوع الاختلال في أمر العباد لو لا تسليط الله تعالى المحقين على المبطلين لا مجرد تهديم متعبدات للمليين (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) في موضع الصفة لمساجد ، وقال الضحاك ومقاتل والكلبي : في موضع الصفة للجميع واستظهره أبو حيان ، وكون كون بيان ذكر الله عزوجل في الصوامع والبيع والكنائس بعد انتساخ شرعيتها مما لا يقتضيه المقام ليس بشيء لأن الانتساخ لا ينافي بقاءها ببركة ذكر الله تعالى فيها مع أن معنى الآية عام لما قبل الانتساخ كما مر.