(وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) وبالله أي لينصرن الله تعالى من ينصر دينه أو من ينصر أولياءه ولقد أنجز الله تعالى وعده حيث سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرة الروم وأورثهم أرضهم وديارهم (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) على كل ما يريده من مراداته التي من جملتها نصرهم (عَزِيزٌ) لا يمانعه شيء ولا يدافعه (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) وصف للذين أخرجوا مقطوع أو غير مقطوع. وجوز أن يكون بدلا ، والتمكين السلطنة ونفاذ الأمر ، والمراد بالأرض جنسها ، وقيل مكة ، والمراد بالصلاة الصلاة المكتوبة وبالزكاة الزكاة المفروضة وبالمعروف التوحيد وبالمنكر الشرك على ما روي عن زيد بن أسلم.
ولعل الأولى في الأخيرين التعميم ، والوصف بما ذكر كما روي عن عثمان رضي الله تعالى عنه ثناء قبل بلاء يعني أن الله تعالى أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا قالوا : وفيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين وذلك على ما في الكشف لأن الآية مخصوصة بالمهاجرين لأنهم المخرجون بغير حق والممكنون في الأرض منهم الخلفاء دون غيرهم فلو لم تثبت الأوصاف الباقية لزم الخلف في المقال تعالى الله سبحانه عنه لدلالته على أن كل ممكن منهم يلزمه التوالي لعموم اللفظ ، ولما كان التمكين واقعا تم الاستدلال دون نظر إلى استدعاء الشرطية الوقوع كالكلام المقرون بلعل وعسى من العظماء فإن لزوم التالي مقتضى اللفظ لا محالة ولما وقع المقدم لزم وقوعه أيضا ، وفي ثبوت التالي ثبوت حقية الخلافة البتة وهي واردة على صيغة الجمع المنافية للتخصيص بعليّ وحده رضي الله تعالى عنه ، وعن الحسن وأبي العالية هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم والأولى على هذا أن يجعل الموصول بدلا من قوله تعالى : (مَنْ يَنْصُرُهُ) كما أعربه الزجاج ، وكذا يقال على ما روي عن ابن عباس أنهم المهاجرون والأنصار والتابعون ، وعلى ما روي عن أبي نجيح أنهم الولاة.
وأنت تعلم أن المقام لا يقتضي إلا الأول (وَلِلَّهِ) خاصة (عاقِبَةُ الْأُمُورِ) فإن مرجعها إلى حكمه تعالى وتقديره فقط ، وفيه تأكيد للوعد بإعلاء كلمته وإظهار أوليائه (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وصيغة المضارع في الشرط مع تحقق التكذيب لما أن المقصود تسلية عليه الصلاة والسلام عما يترتب على التكذيب من الحزن المتوقع أو للإشارة إلى أنه مما لا ينبغي تحققه وإلحاق (كذب) تاء التأنيث لأن الفاعل وهو (قَوْمُ) اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيه ولا حاجة لتأويله بالأمة أو القبيلة كما فعل أبو حيان ومن تبعه ، وفي اختيار التأنيث حط لقدر المكذبين ومفعول كذب محذوف لكمال ظهور المراد.
وجوز أن يكون الفعل منزلا منزلة اللازم أي فعلت التكذيب واستغنى في عاد وثمود عن ذكر القوم لاشتهارهم بهذا الاسم الأخصر والأصل في التعبير العلم فلذا لم يقل قوم صالح وقوم هود ولا علم لغير هؤلاء ، ولم يقل وقوم شعيب قيل لأن قومه المكذبين له عليهالسلام هم هؤلاء دون أهل الأيكة لأنهم وإن أرسل عليهالسلام إليهم فكذبوه أجنبيون ، وتكذيب هؤلاء أيضا أسبق وأشد ، والتخصيص لأن التسلية للنبي عليه الصلاة والسلام عن تكذيب قومه أن وإن يكذبك قومك فاعلم أنك لست بأوحدي في ذلك فقد كذبت قبل تكذيب قومك إياك قوم نوح إلخ (وَكُذِّبَ مُوسى) المكذب له عليهالسلام هم القبط وليسوا قومه بل قومه عليهالسلام بنو إسرائيل ولم يكذبوه بأسرهم ومن كذبه منهم تاب إلا اليسير وتكذيب اليسير من القوم كلا تكذيب ألا ترى أن تصديق اليسير من المذكورين قبل عد كلا تصديق ولهذا لم يقل وقوم موسى كما قيل : ((قَوْمُ نُوحٍ) و (قَوْمُ إِبْراهِيمَ) وأما أنه لم يقل والقبط بل أعيد الفعل مبنيا