للمفعول فللإيذان بأن تكذيبهم له عليه الصلاة والسلام في غاية الشناعة لكون آياته في كمال الوضوح (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أي أمهلتهم حتى انصرمت حبال آجالهم والفاء لترتيب إمهال كل فريق من فرق المكذبين على تكذيب ذلك الفريق لا لترتيب إمهال الكل على تكذيب الكل. ووضع الظاهر موضع المضمر العائد على المكذبين لذمهم بالكفر والتصريح بمكذبي موسى عليهالسلام حيث لم يذكروا فيما قبل تصريحا (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) أي أخذت كل فريق من فريق المكذبين بعد انقضاء مدة إملائه وإمهاله. والأخذ كناية عن الإهلاك (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي إنكاري عليهم بتغيير ما هم عليه من الحياة والنعمة وعمارة البلاد وتبديله لضده فهو مصدر من نكرت عليه إذا فعلت فعلا يردعه بمعنى الإنكار كالنذير بمعنى الإنذار. وياء الضمير المضاف إليها محذوفة للفاصلة وأثبتها بعض القراء ، والاستفهام للتعجب كأنه قيل فما أشد ما كان إنكاري عليهم ، وفي الجملة إرهاب لقريش ، وقوله تعالى : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) منصوب بمضمر يفسره قوله تعالى : (أَهْلَكْناها) أي فأهلكنا كثيرا من القرى أهلكناها ، والجملة بدل من قوله سبحانه : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أو مرفوع على الابتداء وجملة (أَهْلَكْناها) خبره أي فكثير من القرى أهلكناها ، واختار هذا أبو حيان : الأجود في إعراب (كأين) أن تكون مبتدأ وكونها منصوبة بفعل مضمر قليل.
وقرأ أبو عمرو وجماعة «أهلكتها» بتاء المتكلم على وفق (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) ثم أخذتهم ونسبة الإهلاك إلى القرى مجازية والمراد إهلاك أهلها ، ويجوز أن يكون الكلام بتقدير مضاف ، وقيل : الإهلاك استعارة لعدم الانتفاع بها بإهلاك أهلها ، وقوله تعالى : (وَهِيَ ظالِمَةٌ) جملة حالية من مفعول أهلكنا ، وقوله تعالى : (فَهِيَ خاوِيَةٌ) عطف على (أَهْلَكْناها) فلا محل له من الإعراب أو محله الرفع كالمعطوف عليه ، ويجوز عطفه على جملة (كأين) إلخ الاسمية واختاره بعضهم لقضية التشاكل ، والفاء غير مانعة بناء على ترتيب الخواء على الإهلاك لأنه على نحو زيد أبوك فهو عطوف عليك ، وجوز عطفه على الجملة الحالية ، واعترض بأن خواءها ليس في حال إهلاك أهلها بل بعده ، وأجيب بأنها حال مقدرة ويصح عطفها على الحال المقارنة أو يقال هي حال مقارنة أيضا بأن يكون إهلاك الأهل بخوائها عليهم ، ولا يخفى أن كلا الجوابين خلاف الظاهر ، والخواء إما بمعنى السقوط من خوى النجم إذا سقط ، وقوله تعالى : (عَلى عُرُوشِها) متعلق به ، والمراد بالعروش السقوف ، والمعنى فهي ساقطة حيطانها على سقوفها بأن تعطل بنيانها فخرت سقوفها ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ، وإسناد السقوط على العروش إليها لتنزيل الحيطان منزلة كل البنيان لكونها عمدة فيه ، وإما بمعنى الخلو من خوت الدار تخوي خواء إذا خلت من أهلها ، ويقال : خوي البطن يخوي خوى إذا خلا من الطعام ، وجعل الراغب أصل معنى الخواء هذا وجعل خوي النجم من ذلك فقال : يقال خوي النجم وأخوي إذا لم يكن منه عند سقوطه مطر تشبيها بذلك فقوله تعالى : (عَلى عُرُوشِها) إما متعلق به أو متعلق بمحذوف وقع حالا ، و (عَلى) بمعنى مع أي فهي خالية مع بقاء عروشها وسلامتها ، ويجوز على تفسير الخواء بالخلو أن يكون (عَلى عُرُوشِها) خبرا بعد خبر أي فهي خالية وهي على عروشها أي قائمة مشرفة على عروشها على أن السقوف سقطت إلى الأرض وبقيت الحيطان قائمة وهي مشرفة على السقوف الساقطة ، وإسناد الإشراف إلى الكل مع كونه حال الحيطان لما مر آنفا (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) عطف على (قَرْيَةٍ) والبئر من بأرت أي حفرت وهي مؤنثة على وزن فعل بمعنى مفعول وقد تذكر على معنى القليب وتجمع على أبآر وآبار وأبؤر وآبُر وبئار ، وتعطيل الشيء إبطال منافعه أي وكم بئر عامرة في البوادي تركت لا يسقى منها لهلاك أهلها. وقرأ الجحدري والحسن وجماعة «معطلة» بها لتخفيف من أعطله بمعنى عطله.
(وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) عطف على ما تقدم أيضا أي وكم قصر مرفوع البنيان أو مبني بالشيد بالكسر أي الجص