مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(٥٧)
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي كم من سكنة قرية (أَمْلَيْتُ لَها) كما أمليت لهؤلاء حتى أنكروا مجيء ما وعد من العذاب واستعجلوا به استهزاء وتعجيزا لرسلهم عليهمالسلام كما فعل هؤلاء ، والجملة عطف على ما تقدمها جيء بها لتحقيق الرد كما تقدم فلذا جيء بالواو ، وجيء في نظيرتها السابقة بالفاء قيل : لأنها أبدلت من جملة مقرونة بها ، وفي إعادة الفاء تحقيق للبدلية ، وقيل : جيء بالفاء هناك لأن الجملة مترتبة على ما قبلها ولم يجأ بها هنا لعدم الترتب ، وقوله تعالى : (وَهِيَ ظالِمَةٌ) جملة حالية مفيدة لكمال حلمه تعالى ومشعرة بطريق التعريض بظلم المستعجلين أي أمليت لها والحال أنها ظالمة مستوجبة لتعجيل العقوبة كدأب هؤلاء (ثُمَّ أَخَذْتُها) بالعذاب والنكال بعد طول الإملاء والإمهال (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي إلى حكمي مرجع جميع الناس أو جميع أهل القرية لا إلى أجد غيري لا استقلالا ولا شركة فأفعل بهم ما أفعل مما يليق بأعمالهم ، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبله مصرح بما أفاده ذلك بطريق التعريض من أن مآل أمر المستعجلين أيضا ما ذكر من الأخذ الوبيل.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ظاهر السياق يقتضي أن المراد بالناس المشركون فإن الحديث مسوق لهم فكأنه قيل : قل يا أيها المشركون المستعجلون بالعذاب إنما أنا منذر لكم إنذارا بينا بما أوحي إليّ من أنباء الأمم المهلكة من غير أن يكون لي دخل في إتيان ما تستعجلون من العذاب الموعود حتى تستعجلوني به فوجه الاقتصار على الإنذار ظاهر ، وأما وجه ذكر المؤمنين وثوابهم في قوله تعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فالزيادة هي إغاظة المشركين فهو بحسب المآل إنذار ، ويجوز أن يقال : إن قوله سبحانه : (فَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية تفصيل لمن نجع فيه الإنذار من الناس المشركين ومن بقي منهم على كفره غير ناجع فيه ذلك كأنه قيل : أنذر يا محمد هؤلاء الكفرة المستعجلين بالعذاب وبالغ فيه فمن آمن ورجع عما هو عليه فله كذا ومن دوام على كفره واستمر على ما هو عليه فله كذا ، واختاره الطيبي وهو كما في الكشف حسن وعليه لا يكون التقسيم داخلا في المقول بخلاف الوجه الأول.
وقال بعض المحققين : الناس عام للمؤمن والكافر والمنذر به قيام الساعة ، وإنما كان صلىاللهعليهوسلم نذيرا مبينا لأن بعثه عليه الصلاة والسلام من أشراطها فاجتمع فيه الإنذار قالا وحالا بقوله : (أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) كقوله صلىاللهعليهوسلم الثابت في الصحيحين «أنا النذير العريان» وقد دل على ذلك تعقيب الخطاب بالإنذار تفصيل حال الفريقين عند قيامها ا ه.