ولا مانع منه لو لا ظاهر السياق ، وكون المؤمنين لا ينذرون لا سيما وفيهم الصالح والطالح مما لا وجه له ، ومن منع من العموم لذلك قال : التقدير عليه بشير ونذير ونقل هذا عن الكرماني ؛ ثم المغفرة تحتمل أن تكون لما ندر من الذين آمنوا من الذنوب وذلك لا ينافي وصفهم بعمل الصالحات ، وتحتمل أن تكون لما سلف منهم قبل الإيمان والرجوع عما كانوا عليه ، والمراد بالرزق الكريم هنا الجنة كما يشعر به وقوعه بعد المغفرة وكذلك في جميع القرآن على ما أخرجه ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي ، ومعنى الكريم في صفات غير الآدميين الفائق (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) أي بذلوا الجهد في إبطالها فسموها تارة سحرا وتارة شعرا وتارة أساطير الأولين.
وأصل السعي الإسراع في المشي ويطلق على الإصلاح والإفساد يقال : سعى في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه فيه (مُعاجِزِينَ) أي مسابقين للمؤمنين ؛ والمراد بمسابقتهم مشاقتهم لهم ومعارضتهم فكلما طلبوا إظهار الحق طلب هؤلاء إبطاله ، وأصله من عاجزه فأعجزه وعجزه إذا سابقه فسبقه فإن كلا من المتسابقين يريد إعجاز الآخر عن اللحاق.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال والزعفراني «معجزين» بالتشديد أي مثبطين الناس عن الإيمان. وقال أبو علي الفارسي : ناسبين المسلمين إلى العجز كما تقول : فسقت فلانا إذا نسبته إلى الفسق وهو المناسب لقوله تعالى : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) وقرأ ابن الزبير «معجزين» بسكون العين وتخفيف الزاي من أعجزك إذا سبقك ففاتك ، قال صاحب اللوامح : والمراد هنا ظانين أنهم يعجزوننا وذلك لظنهم أنهم لا يبعثون ، وفسر (مُعاجِزِينَ) في قراءة الجمهور بمثل ذلك ، والوصف على جميع القراءات حال من ضمير (سَعَوْا) وليست مقدرة على شيء منها كما يظهر للمتأمل (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي ملازمو النار الشديدة التأجج ، وقيل هو اسم دركة من دركات النار.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ مِنْ) الأولى ابتدائية والثانية مزيدة لاستغراق الجنس ، والجملة المصدرة بإذا في موضع الحال عند أبي حيان ، وقيل : في موضع الصفة وأفرد الضمير بتأويل كل واحد أو بتقدير جملة مثل الجملة المذكورة كما قيل في قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] والظاهر أن (إِذا) شرطية ونص على ذلك الحوفي لكن قالوا : إن (إِلَّا) في النفي إما أن يليها مضارع نحو ما زيد إلا يفعل وما رأيت زيدا إلا يفعل أو يليها ماض بشرط أن يتقدمه فعل كقوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا) [الحجر : ١١] إلخ أو (١) يكون الماضي مصحوبا بقد نحو ما زيد إلا قد قام ، ويشكل عليه هذه الآية إذا لم يلها فيها مضارع ولا ماض بل جملة شرطية فإن صح ما قالوه احتيج إلى التأويل ، وأول ذلك في البحر بأن (إِذا) جردت للظرفية وقد فصل بها وبما أضيفت إليه بين إلا والفعل الماضي الذي هو (أَلْقَى) وهو فصل جائز فتكون إلا قد وليها ماض في التقدير ووجد الشرط ، وعطف «نبي» على (رَسُولٍ) يدل على المغايرة بينهما وهو الشائع ، ويدل على المغايرة أيضا ما روي أنه صلىاللهعليهوسلم سئل عن الأنبياء فقال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قيل : فكم الرسل منهم؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا ، وقد أخرج ذلك. كما قال السيوطي. أحمد. وابن راهويه في مسنديهما من حديث أبي أمامة ، وأخرجه ابن حيان في صحيحه. والحاكم في مستدركه من حديث أبي ذر.
وزعم ابن الجوزي أنه موضوع وليس كذلك ، نعم قيل في سنده ضعف جبر بالمتابعة ؛ وجاء في رواية الرسل
__________________
(١) أو المنع الخلو ا ه منه.