ثلاثمائة وخمسة عشر ، واختلفوا هنا في تفسير كل منهما فقيل : الرسول ذكر حر بعثه الله تعالى بشرع جديد يدعو الناس إليه والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهمالسلام ، وقيل : الرسول ذكر حر بعثه الله تعالى إلى قوم بشرع جديد بالنسبة إليهم وإن لم يكن جديدا في نفسه كإسماعيل عليهالسلام إذ بعث لجرهم أولا النبي يعمه ومن بعث بشرع غير جديد كذلك ، وقيل : الرسول ذكر حر له تبليغ في الجملة وإن كان بيانا وتفصيلا لشرع سابق والنبي من أوحي إليه ولم يؤمر بتبليغ أصلا أو أعم منه ومن الرسول ، وقيل : الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبي غير الرسول من لا كتاب له ، وقيل : الرسول من له كتاب أو نسخ في الجملة والنبي من لا كتاب له ولا نسخ ، وقيل الرسول (١) من يأته الملك عليهالسلام بالوحي يقظة والنبي يقال له ولمن يوحى إليه في المنام لا غير : وهذا أغرب الأقوال ويقتضي أن بعض الأنبياء عليهالسلام لم يوح إليه إلا مناما وهو بعيد ومثله لا يقال بالرأي.
وأنت تعلم أن المشهور أن النبي في عرف الشرع أعم من الرسول فإنه من أوحي إليه سواء أمر بالتبليغ أم لا والرسول من أوحي إليه وأمر بالتبليغ ولا يصح إرادة ذلك لأنه إذا قوبل العام بالخاص يراد بالعام ما عدا الخاص فمتى أريد بالنبي ما عدا الرسول كان المراد به من لم يؤمر بالتبليغ وحيث تعلق به الإرسال صار مأمورا بالتبليغ فيكون رسولا فلم يبق في الآية بعد تعلق الإرسال رسول ونبي مقابل له فلا بد لتحقيق المقابلة أن يراد بالرسول من بعث بشرع الآية بعد تعلق الإرسال رسول ونبي مقابل له فلا بد لتحقيق المقابلة أن يراد بالرسول من بعث بشرع جديد وبالنبي من بعث لتقرير شرع من قبله أو يراد بالرسول من بعث بكتاب وبالنبي من بعث بغير كتاب أو يراد نحو ذلك مما يحصل به المقابلة مع تعلق الإرسال بهما ، والتمني. على ما قال أبو مسلم. نهاية التقدير ومنه المنية وفاة الإنسان للوقت الذي قدره الله تعالى ، والأمنية على ما قال الراغب الصورة الحاصلة في النفس من التمني ، وقال غير واحد : التمني القراءة وكذا الأمنية ، وأنشدوا قول حسان في عثمان رضي الله تعالى عنهما :
تمنى كتاب الله أول ليلة |
|
تمني داود الزبور على رسل |
وفي البحر أن ذلك راجع إلى الأصل المنقول عن أبي مسلم فإن التالي يقدر الحروف ويتصورها فيذكرها شيئا فشيئا ، والمراد بذلك هنا عند كثير القراءة ، والآية مسوقة لتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم بأن السعي في إبطال الآيات أمر معهود وأنه لسعي مردود ، والمعنى وما أرسلنا من قبلك رسولا ولا نبيا إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئا من الآيات ألقى الشيطان الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به كما قال تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) [الأنعام : ١٢١] وقال سبحانه : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام : ١١٢] وهذا كقولهم عند سماع قراءة الرسول صلىاللهعليهوسلم (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) [البقرة : ١٧٣ ، النحل : ١١٥] إنه يحل ذبيح نفسه ويحرم ذبيح الله تعالى ، وقولهم على ما في بعض الروايات عند سماع قراءته عليه الصلاة والسلام (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] إن عيسى عبد من دون الله تعالى والملائكة عليهمالسلام عبدوا من دون الله تعالى (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي فيبطل ما يلقيه من تلك الشبه ويذهب به بتوفيق النبي صلىاللهعليهوسلم لرده أو بإنزال ما يرده (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) أي يأتي بها محكمة مثبتة لا تقبل الرد بوجه من الوجوه ، و (ثُمَ) للتراخي الرتبي فإن الإحكام أعلى رتبة من النسخ ، وصيغة المضارع في
__________________
(١) قائله الإمام الرازي.