كلام محيي الدين بن العربي قدسسره في مواضع من فتوحاته القول بأنه مقدم ، ومن ذلك قوله في الباب الثلاثمائة والثمانية والخمسين من أبيات :
كل علم يشهد الشرع له |
|
هو علم فبه فلتعتصم |
وإذا خالفه العقل فقل |
|
طورك الزم ما لكم فيه قدم |
وقوله في الباب الأربعمائة والاثنين والسبعين :
على السمع عولنا فكنا أولي النهى |
|
ولا علم فيما لا يكون عن السمع |
إلى غير ذلك وهو كأكثر كلامه من وراء طور العقل (وَما لِلظَّالِمِينَ) أي وما لهم إلا أنه عدل إلى الظاهر تسجيلا عليهم بالظلم مع تعليل الحكم به ، وجوز أن لا يكون هناك عدول ، والمراد ما يعمهم وغيرهم ودخولهم أولى ، و (مِنْ) في قوله تعالى : (مِنْ نَصِيرٍ) سيف خطيب ، والمراد نفي أن يكون لهم بسبب ظلمهم من يساعدهم في الدنيا بنصرة مذهبهم وتقرير رأيهم ودفع ما يخالفه وفي الآخرة بدفع العذاب عنهم.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) عطف على (يَعْبُدُونَ) وما بينهما اعتراض ، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي ، وقوله تعالى : (بَيِّناتٍ) حال من الآيات أي واضحات الدلالة على العقائد الحقة والأحكام الصادقة أو على بطلان ما هم عليه من عبادة غير الله تعالى (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي في وجوههم ، والعدول على نحو ما تقدم ، والخطاب إما لسيد المخاطبين صلىاللهعليهوسلم أو لمن يصح أن يعرف كائنا من كان (الْمُنْكَرَ) أي الإنكار على أنه مصدر ميمي ، والمراد علامة الإنكار أو الأمر المستقبح من التجهم والبسور والهيئات الدالة على ما يقصدونه وهو الأنسب بقوله تعالى : (يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي يثبون ويبطشون بهم من فرط الغيظ والغضب لأباطيل أخذوها تقليدا ، ولا يخفى ما في ذلك من الجهالة العظيمة ، وكان المراد أنهم طول دهرهم يقاربون ذلك وإلا فقد سطوا في بعض الأوقات ببعض الصحابة التالين كما في البحر ، والجملة في موقع الحال من المضاف إليه ، وجوز أن يكون من الوجوه على أن المراد بها أصحابها وليس بالوجه.
وقرأ عيسى بن عمر «يعرف» بالبناء للمفعول «المنكر» بالرفع (قُلْ) على وجه الوعيد والتقريع (أَفَأُنَبِّئُكُمْ) أي أخاطبكم أو أتسمعون فأخبركم (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) الذي فيكم من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الضجر بسبب ما تلي عليكم (النَّارُ) أي هو أو هي النار على أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة جواب لسؤال مقدر كأنه قيل : ما هو؟ وقيل هو مبتدأ خبره قوله تعالى : (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهو على الوجه الأول جملة مستأنفة ، وجوز أن يكون خبرا بعد خبر.
وقرأ ابن أبي عبلة وإبراهيم بن يوسف عن الأعشى وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما (النَّارُ) بالنصب على الاختصاص ، وجملة (وَعَدَهَا) إلخ مستأنفة أو حال من (النَّارُ) بتقدير قد أو بدونه على الخلاف ، ولم يجوزوا في قراءة الرفع الحالية على الإعراب الأول إذ ليس في الجملة ما يصح عمله في الحال.
وجوز في النصب أن يكون من باب الاشتغال وتكون الجملة حينئذ مفسرة. وقرأ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن نوح عن قتيبة «النار» بالجر على الإبدال من شر ، وفي الجملة احتمالا الاستئناف والحالية ، والظاهر معنى أن يكون الضمير في «وعدها» هو المفعول الثاني والأول الموصول أي وعد الذين كفروا إياها ، والظاهر معنى لفظا أن يكون